Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Noocyada
وكسب عيشه من العمل كمدرس طبيعة ورياضة في المدارس الثانوية، ولم يكن هذا شيئا يسيرا في النمسا آنذاك.
وتبقى ملاحظة أن كارل بوبر حارب بشراسة كل زعم بمسار محتوم للتاريخ والماركسية أنضج صور هذا الزعم، لكن أولاها هي حتمية إياب اليهود إلى أرض الميعاد. وقال في سيرته الذاتية: «إن كل الدعاوى العنصرية والعرقية شر مستطير، وإن الصهيونية لا تستثنى من ذلك»
5 ... وهذا الرجل الذي يرفض الصهيونية بعمق ومنهجية ولد لأبوين يهوديين، اعتنقا المسيحية البروتستانتية قبل إنجاب أي من أطفالهما؛ لكي يخرجا من وضع الأقلية ويندمجا في الأغلبية النمساوية المسيحية. وهكذا لأن بوبر ينحدر من أصول يهودية اضطر إلى الهجرة من النمسا عام 1937م، بسبب الغزو النازي، واتجه إلى نيوزلاند حيث قضى سني الحرب وكتب «المجتمع المفتوح»، وظل يدرس الفلسفة في جامعتها حتى عام 1945م، وفي عام 1946م انتقل إلى إنجلترا واستقر في إحدى ضواحي لندن حتى وفاته؛ إذ عمل أستاذا للمنطق ومناهج العلوم في جامعة لندن إلى أن بلغ سن التقاعد عام 1969م، وكان قد حصل على لقب «سير» عام 1965م، وعلى رفقة أو رتبة شرف من ملكة إنجلترا إليزابيث الثانية في عام 1982م، مثلما حصل على خمس عشرة دكتوراه فخرية من جامعات أمريكا وبريطانيا والنمسا وكندا، وعديد من الجوائز من جامعات أوروبا، والميدالية الذهبية للخدمة المتميزة للعلم من المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي ... وبالمثل عديد من المناصب الأكاديمية والعلمية الفخرية. ورحل بوبر في السابع عشر من سبتمبر عام 1994م، بعد أن أنجز في فلسفة العلم خطوات تقدمية واسعة، ونال ما يستحقه من تقدير وتكريم. واللافت حقا أن بوبر استهل طريقه ببداية شديدة التميز والتوقد، فأول أعماله، وأهمها كتابه الرائد «منطق البحث العلمي
Loik der Forschung » الصادر في فيينا باللغة الألمانية عام 1933م، وهو في طليعة النصوص المشكلة لمسار فلسفة العلم في القرن العشرين.
وبحكم انتشار وسيادة اللغة الإنجليزية عموما وفي مجال فلسفة العلم خصوصا، فإن هذا الكتاب لم يمارس تأثيره الكبير إلا بعد أن ترجم إلى اللغة الإنجليزية عام 1959م، تحت عنوان أكثر حصافة ودلالة هو «منطق الكشف العلمي»، وفي حوار شهير بين بريان ماجي وكارل بوبر، تساءل ماجي عن سبب هذا التغيير في العنوان، تجاهل بوبر السؤال ولم يعره انتباها، فلم يكن السبب جليا.
6
وفيما بعد اتضح تأثير بوبر الكبير على مسار فلسفة العلم وعلى فلاسفتها التالين - كما سيوضح الفصل التالي - وأزاحت الدراسات الإبستمولوجية التالية النقاب عن السبب المطمور لهذا التغيير، وهو أن «الكشف» أكثر حركية وديناميكية من «البحث» فيكون الأقدر على أن يبلور الانتقال من منطق تبرير المعرفة العلمية، إلى منطق التقدم المستمر.
ألحق بوبر بالترجمة الإنجليزية «منطق الكشف العلمي» ملحقا مطنبا بعنوان «بعد عشرين عاما» أثبت فيه بضعة مستجدات، منها محصلة لقائه بآينشتين ومحاولات بوبر لكي يقنعه بالعدول عن الإيمان بالحتمية العلمية التي تبخرت، جرى هذا اللقاء عام 1950م، حين ذهب بوبر إلى أمريكا تلبية لدعوة تلقاها كي يلقي محاضرة بجامعة هارفارد في ذكرى وليم جيمس. ما زالت طبعات «منطق الكشف العلمي» تتوالى حتى يومنا هذا، وترجم إلى سبع عشرة لغة منها العربية، كما ترجمت أربعة كتب أخرى لبوبر إلى اللغة العربية.
بعد هجرة بوبر إلى أستراليا ثم إلى إنجلترا ليستقر فيها صدرت كتبه بالإنجليزية، وتوالت على مدار السنين أبحاثه ودراساته ومحاضراته في فلسفة العلم بصورة نظامية متواترة حتى آخر لحظة في حياته التي غطت القرن العشرين بأسره إلا قليلا، حمل بعضها كتاباه الكبيران في الحجم والقيمة «الحدوس الافتراضية.
7
Bog aan la aqoon