Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Noocyada
A. Pap
على تطوير نظرية لويس في التصور البرجماتي للمعرفة الأولانية، وأخرج كتابه «الأولانية في النظرية الفيزيائية 1946م»، حيث يؤيدها بالممارسات الفعلية وإجراءات البحث العلمي في الفيزياء.
وها هنا نعرج على صورة أخرى من الصور القوية التي اتخذتها الأداتية في فلسفة العلم، وهي الصورة التي تعرف باسم الإجرائية
Operationalism . صاغ هذا المصطلح العالم الفيزيائي بيرسي بريدجمان
الحاصل على جائزة نوبل عام 1946م عن دراساته لفيزياء الضغوط العالية، وقدم لفلسفة العلم كتابيه «منطق الفيزياء الحديثة 1927م»، و«طبيعة النظرية الفيزيائية 1936م»، حيث نجد عروضا للإجرائية. إنها مذهب يربط المفاهيم العلمية بإجراءات البحث العلمي والتجارب المعملية ومحصلات الملاحظة، ويستبعد كل المفاهيم التي لا تتعين إجرائيا بوصفها ليست تجريبية، وبالتالي يغدو النسق العلمي بأسره أدوات للبحث. فأي قانون مؤلف من مفاهيم، وأي مفهوم هو طريقة قياسه والإجراءات التي تتخذ بشأنه، فلا يمكن الحكم على القانون العلمي بالصدق أو الكذب ولا معنى لهذا.
يزعم الإجرائيون أن مفاهيم المتصل الزماني المكاني والتآني والتكافؤ في النظرية النسبية هي التي فرضت المنظور الإجرائي، خصوصا بعد أن تقدم مفهوم «التعريفات الإحداثية» الذي أشار إليه الفصل السابق من جراء تطبيق النسبية لهندسة ريمان. إن النظرية النسبية بأسرها فروض عبقرية غاية في التجريد، ولا يمكن فهمها حقيقة إلا بوصفها إجراءات معينة للبحث العلمي. هكذا دأب بريدجمان على تعريف المفاهيم العلمية بواسطة عمليات قياسها وتكميمها؛ لتتلاقى الإجرائية مع معايير الوضعية المنطقية الدالة على المعنى. والواقع أن بريدجمان يكاد يتخذ موقفها، فما هو الطول؟ هو إجراءات قياسه؛ ليكافئ المفهوم ما هو ملاحظ بشأنه، لا من وقائع تجريبية، بل من إجراءات فعلية. وعلى الرغم من أن هذا التعريف الإجرائي قليلا ما استخدمه العلماء وفلاسفة العلم، فإن بريدجمان يرى أن الإجرائية تعبر عما يحدث بالفعل في الواقع العلمي. وهكذا يعمل العلماء أنفسهم بالنظريات والقوانين والمفاهيم العلمية. وباقتدار وتطرف واصلت الإجرائية ما دأبت عليه الأداتية من حذف مفهوم الحقيقة العلمية والواقع والصدق وإمكانية التحقق من القانون أو تكذيبه.
وإذا كانت الإجرائية مذهبا أداتيا طرحه علماء محترفون، فثمة مذاهب أخرى للأداتية في فلسفة العلم طرحها فلاسفة محترفون، ساروا في الاتجاه الأداتي الذي يجرد النظرية العلمية من مضمونها المعرفي ودلالتها الأنطولوجية. وأول من يتقدم في هذا الصدد الفيلسوف الألماني هانز فاينجر
H. Vaihinger (1852-1933م) الذي يعد المواصل الحقيقي لميراث الرائد الأول باركلي وفلسفته عن الوهم الرياضي. درس فاينجر الدين والأدب والأساطير الإغريقية، وتأثر بنظرية دارون وبالفلسفة الكانطية. ورأى أننا لن نعرف حقيقة العالم، فلننظر أي التصورات التي نتوهمها أقدر على التعبير عن العالم، ويتصرف العقل «كما لو» كان العالم هكذا. وضع فاينجر فلسفة الأوهام
fictions ، الوهم يعني إهمال الواقع والانفصال عنه؛ لينصب الاهتمام على تشييد كيانات ذهنية تتصف بخصائص معينة. هكذا تشيد النظريات العلمية، بيد أنها أوهام مفيدة وسليمة بخلاف الأوهام الأسطورية الفارغة. وأوضح الأمثلة على أن مفاهيم العلم كيانات وهمية هو اللامتناهي الرياضي، سواء في الصغر أو في الكبر. إنه منفصل عن الواقع وتوهمه العقل ليفتح أمامه آفاقا أوسع. إن الأبنية العلمية كيانات وهمية ترشد العقل لتحقيق المهام المنوطة بالعلم، حتى إذا أدت دورها زالت وحلت محلها نظريات أكثر تقدما؛ أي أوهام مفيدة أكثر. من هنا كانت الأوهام العلمية مؤقتة ومتطورة، بينما تتحجر الأوهام الأسطورية وتبقى دائما، النظرية المعمول بها هي الوهم العلمي الراهن، وتعني أن نعمل على تحقيق مهام العلم «كما لو» كان العالم بالصورة التي ترسمها النظرية. من هنا صاغ فاينجر فلسفته عن الأوهام العلمية في كتابه الشهير الصادر في برلين بعنوان «فلسفة كما لو 1911م».
وفي النصف الثاني من القرن العشرين يظل الإنجليزي ستيفن تولمان
Bog aan la aqoon