Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Noocyada
22
وكان رسل يأمل في كتابة سلسلة كتب في فلسفة العلم، تتجه تدريجيا نحو ما هو أكثر عينية، فينتقل من الرياضيات والفيزياء إلى البيولوجي، وتوازيها سلسلة أخرى من الكتب بشأن المسائل الاجتماعية والسياسية، تتجه تدريجيا نحو ما هو أكثر تجريدا، عساه أن يحرز في النهاية، بعملية تركيب جدلية هيجلية، عملا موسوعيا يغطي النظرية والتطبيق على السواء.
23
لكنه لم يفعل، فقد انقلب فجأة على هذه المثالية، واعتبر كل ما قاله فيها - خصوصا بشأن أصول الهندسة - لغوا، انقلب إلى النقيض تماما، إلى فلسفة واقعية، انسياقا مع المد التجريبي في مطالع القرن العشرين أو بالأحرى إحداثا له. وكانت هذه الانقلابة في ذلك الأوان هي التي شهدت نشأة الفلسفة التحليلية، ولكننا سنوضح الآن كيف جعلت المنطق الرياضي عصب الفلسفة وجعلت التجريبية منطقية.
بدأت رحلة الخروج من المثالية الكانطية الهيجلية عام 1898م بفعل عدة عوامل، منها أن رسل قرأ كتاب هيجل «المنطق الأكبر» فوجد ما يقوله هيجل عن الرياضة لغوا ناتجا عن رأس مشوشة أو موحلة
muddle
بتعبير رسل! والواقعة العارضة شديدة الأهمية هي أن ماكتاجارت سافر فجأة لزيارة أهله في نيوزيلندة، وعهدت كمبردج إلى رسل بتدريس ليبنتز بدلا من ماكتاجارت، فوجد نفسه منكبا على أعمال ليبنتز. وها هنا اكتشف أن أساس الميتافيزيقا المثالية الواحدية هو المنطق الأرسطي الحملي، منطق الجوهر وأعراضه الذي يعجز عن التعبير عن العلاقات الخارجية، أية علاقة تتحول إلى محمول يحمل على الموضوع فتغدو كيفية مباطنة للموضوع محايثة فيه. من هنا كانت العلاقات داخلية والجوهر واحدا حاويا للكل. هكذا كان المنطق الأرسطي وراء الخديعة المثالية بتصور العالم ككل واحدي وإنكار المادة والتعددية والعلاقات الخارجية. أدرك رسل ضرورة الإطاحة به تماما والأخذ بالمنطق الرياضي النامي حديثا، وهو الذي علم رسل أهمية العلاقات في الرياضة وفي الفلسفة على السواء، وأن إهمالها أدى إلى نتائج وبيلة في كليهما، شن رسل حملته المضرية على المنطق الأرسطي وميتافيزيقاه في سلسلة محاضراته آنذاك والتي حملها كتابه «عرض نقدي لفلسفة ليبنتز 1900م».
كان هذا الكتاب علامة فارقة في مستهل طريق فلسفة القرن العشرين توجهها صوب المنطق الرياضي وتعلمها أنه صلب الفلسفة، فلا بد وأن تكون منطقية. وكان رسل بدوره قد اكتشف بفضل المنطق الرياضي - منطق العلاقات - العالم الخارجي التعددي الذي كان محروما منه بفعل الإسار المثالي الذي يرى العالم مجرد تصور للذات. انقلب رسل إلى الواقعية المفرطة الساذجة
naive
التي تقر بالوجود الواقعي لكل شيء حتى الأسماء الكلية والأعداد ... واستقبل القرن العشرين وهو مفعم بالبهجة والثراء. وبهذه الروح حضر المؤتمر الدولي للفلسفة في يوليو 1900م، وألقى بحثا يؤكد فيه هذا التصور الجديد للعالم الواقعي التجريبي التعددي ذي العلاقات الخارجية. إنه عالم مكون من جماع هائل من الجزئيات المادية والنقاط المكانية واللحظات الزمانية ... كل منها وجميعها حقيقي حقيقية المطلق الهيجلي، وبدلا منه.
Bog aan la aqoon