139

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Noocyada

ومن أقطاب هذا الفرع جول لاشيليه

J. Lachelier ، وكانت رسالته للدكتوراه عام 1871م «في أساس الاستقراء»، حيث يخرج من مشكلة الاستقراء - غير القابلة للحل - بأن التجريبية لا تكفي، إنها تعين العلل الفاعلة الخاضعة للحتمية، ولا بد أن نضيف إليها العلل الغائية التي هي مجال الحرية الإنسانية. على أن أهم رجال الوضعية الروحية هو إميل بوترو

E. Boutroux (1845-1921م) الذي يقف في صفوف فلاسفة العلم، يحاول الإطاحة بالحتمية منذ رسالته للدكتوراه عام 1874م في «إمكان قوانين الطبيعة» حتى بحثه الهام «القانون الطبيعي في الفلسفة المعاصرة 1895م». يهدف بوترو إلى إثبات أن الضرورة العقلية لا تتحقق في الأشياء كما يزعم الحتميون الميكانيكيون، وأن قوانين العلم مجرد مناهج للملاءمة بين الأشياء وبين عقولنا، إنها تعبر عن طريقتنا في النظر إلى الأشياء. بعبارة أخرى، قوانين العلم كيانات إبستمولوجية، أي معرفية فقط ولا شأن لها بالأنطولوجيا، بالوجود، بالواقع المعاش. إن رؤية إميل بوترو لطبيعة القوانين العلمية هي ما سوف ينمو ويتطور في شكل المذهب الأداتي في فلسفة العلم. لكن مع هذا - وبفعل تأثير المثالية الألمانية - يعد بوترو فيلسوفا مثاليا، كسائر رفاقه الوضعيين الروحيين.

الفرع الثاني لتيار نقد العلم هو الوضعية النقدية، وهو أقوى تأثيرا وأوسع انتشارا وأكثر خلوصا للمؤثرات الكانطية. الفلسفة النقدية هي فلسفة كانط، هي محاولة سبر وتعيين إمكانيات وحدود المعرفة الإنسانية. واللافت حقا أن معظم رجال هذا الفرع من كبار علماء الرياضيات، في مقدمتهم أوجست كورنو

A. Cournuot (1801-1877م) وهو من آباء حساب الاحتمال وأول من صاغ نظرية موضوعية للمصادفة، أي تحسب احتماليات حدوث عدة بدائل لواقعة من وقائع الطبيعة، فلا تعود الاحتمالية ذاتية، أي تعتمد على الذات العارفة وتطورات علمها وانحسار جهلها. وعلى هذا انتهى كورنو إلى أن اللاحتمية البادية لا ينبغي تفسيرها تفسيرا ذاتيا، أي بوصفها حتمية مجهولة، بل العكس هو الصحيح، والحتمية البادية هي التي ينبغي أن تفسر تفسيرا ذاتيا. وكان كورنو يحرص دائما على تأكيد أن العلم بدون فلسفة أعمى، كما أن الفلسفة بدون علم جوفاء. أما العالم الرياضي شارل رينوفييه

C. Renouvier (1815-1903م) فهو واحد من أهم فلاسفة الحرية في الفلسفة بصفة عامة. لم يشهد رينوفييه التحليل الحقيقي والتحليل المركب والتحليل الدالي وسواها من فروع الرياضيات البحتة التي تطورت في القرن العشرين لتحكم تعامل العقل مع اللامتناهي. وفي حدود رياضيات القرن التاسع عشر حاول إثبات أن اللامتناهي الرياضي ممتنع، وأقام فلسفته على أساس التناهي والنسباوية والحرية.

إن فلاسفة هذا الفرع يسمون أنفسهم أصحاب النقدية المثالية المحدثة، هم نقديون مثاليون إبستمولوجيون مثل كانط، فيؤكدون مثله على الدور الإيجابي للعقل بالنسبة للحواس، وحجتهم في هذا أنه لا علم بغير فرض، ثم يفترقون عن كانط في حداثتهم، أي في تأكيدهم على حساب الاحتمال الذي يعني أن العلم لا يصل أبدا إلى المطلق، يأخذون باللاحتمية في الطبيعة ويرفضون اعتراف كانط بالحتمية الشاملة لعالم الظواهر حتى إنه نفى الحرية من عالم الظواهر «الفينومينا» إلى عالم النومينا «الشيء في ذاته» المفارق. لكنهم على أية حال يفخرون بانتسابهم إلى مثالية كانط وسيرهم على منواله.

إن تيار نقد العلم بفرعيه، خصوصا الفرع الوضعي النقدي الأكثر علمية والأكثر كانطية، يوضح كيف كان تأثير المثالية الألمانية - الكانطية خصوصا - قويا ومترامي الآفاق قبيل مجيء القرن العشرين توا، حتى إنها اقتحمت ساحات للتفكير العلمي والتفكير في العلم، فتصبغها بصبغة مثالية.

وإذا كان هذا هو الوضع في إنجلترا وفرنسا، الأمتين اللتين اضطلعتا أكثر من سواهما بتأسيس فلسفة العلم وإنمائها وصقل المنهج العلمي والروح التجريبية، فلنا أن نتصور قوة نفوذ المثالية الألمانية في شتى مواطن الفلسفة الأوروبية.

حتى كان العام الحاسم 1900م لتبدأ الثورة على المثالية الألمانية من جهات شتى، كما أشار برتراند رسل.

Bog aan la aqoon