Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Noocyada
والرياضيات بهذا دونا عن لغات العالمين هي اللغة المنضبطة والاستدلال الدقيق الذي لا مثيل له في أي شكل آخر من أشكال التفكير؛ لذلك قال كانط إن الرياضيات هي الحظ السعيد للعقل البشري. والواقع أنها فعلا هدية الله الحقيقية للإنسان.
وهي مطردة التقدم شأن كل قاطني عالم العلم، فما بالنا بملكة العلوم! يومها أفضل من الأمس، يسجل العقل فتحا متتاليا لآفاق أوسع وإحرازا متواليا لمنجزات مستجدة. لكن تقدم العلوم الإخبارية التجريبية يلغي المراحل السابقة من تاريخ العلم، فينسخ الجديد القديم، يكشف عن مواطن كذب فيه وأحيانا يبلغ هذا حد اكتشاف مواطن للخطل واللامعقولية. أما في الرياضيات فقد تستوعب المناهج المتطورة المشاكل القديمة وتقدم طرقا أبسط وأعمق لمعالجتها، فضلا عن فتح آفاق أوسع، لكن ما دامت ثبتت صحة قضية رياضية في إطار نسقها؛ أي ما دام ثبت الارتباط بين المقدم والتالي فيها، فسوف تظل صحيحة إلى أبد الآبدين وتتمتع القضية الرياضية داخل نسقها بثبات صدق وضرورة منطقية تميزها عن قضايا العلوم التجريبية، ومهما علت الرياضيات في مدارج التقدم لن تسخر من براهين القدامى في العهود السحيقة أو تكتشف خطأها فجأة، كما يحدث في العلوم الأخرى. ما زال آينشتين منبهرا بنظرية فيثاغورث الموضوعة قبل الميلاد بقرون ويعمل على أساسها، وما زالت هندسة إقليدس نموذجا لبناء النسق الهندسي، وقد وضعها في مصر في العصر البطلمي، في الإسكندرية في أثناء القرن الثالث قبل الميلاد. إن القضية الرياضية إذا كذبت كانت متناقضة ذاتيا، وإذا صدقت كانت ضرورية الصدق، وكذبها مستحيل إطلاقا في أي ظروف وشروط «2 + 2 = 4» لا ترتبط بأي شروط زمانية أو مكانية، بل تصدق دائما وأبدا ما دمنا متفقين على معان محددة للرموز: 2، 4، الجمع، التساوي، وسائر حدود نسقها الرياضي. وبالمثل إنكار أن المثلث شكل محاط بثلاثة أضلاع يعني إنكار أن يكون المثلث مثلثا!
وإذا كان هذا هو حال الرياضيات، فكيف بلغها المد الثوري؟
لقلد تلمسناه حين رأينا آينشتين يستبدل بالهندسة الإقليدية هندسة لا إقليدية للكون هي هندسة ريمان، فأدركنا فقط في القرن العشرين أن تطبيق الإقليدية على الكون مسألة تعسفية إن لم تكن قاصرة. أما فيما سبق، فقط كانت هندسة إقليدس هي الأنموذج الأعظم لليقين، بكل معاني اليقين ودلالاته، الإبستمولوجية والأنطولوجية وما قبلهما وما بعدهما، حتى إن القديس توما الإكويني
Thomas Acquinace (1225-1274م) قد شغلته قضية مهمة هي : ما الذي يكون فوق إرادة الله؟ فوضع إجابة تتضمن بضعة أشياء، منها: أن الله لا يستطيع أن يجعل مجموع زوايا المثلث أقل من قائمتين! فقد كان الجميع - فلاسفة وعلماء ومثقفون وعوام - شأنهم شأن إيفان كرامازوف بطل رائعة دستويفسكي «الإخوة الأعداء» على يقين من أن الله قد خلق العالم بموجب الهندسة الإقليدية.
فليس غريبا أن تطرح النيونية كل تلك الحتمية واليقين وهي تقوم بتطبيق الهندسة الإقليدية على الواقع الفيزيائي أو على الكون. ولأن هندسة إقليدس كانت آنذاك هي الهندسة الوحيدة التي لا هندسة سواها - ولا حتى تصورا - كانت بمنأى عن كل جدال، «ولم تكن هناك مشكلة متعلقة بهندسة المكان الفيزيائي، وكان من الطبيعي أن تعد الهندسة الإقليدية منطبقة على المكان الفيزيائي لعدم وجود هندسة أخرى. وقد كان الفضل يرجع إلى كانط في أنه أكد أكثر من غيره على تطابق الهندسة الرياضية مع الهندسة الفيزيائية».
44
لكن تماما كما أثارت الفيزياء الكلاسيكية مشاكل أدت إلى الخروج من عالمها الميكانيكي، أثار نسق الهندسة الإقليدية مشاكل أدت إلى الخروج منه إلى أنساق هندسية أخرى، وهي المشاكل الخاصة بالمسلمة الخامسة.
فالنسق الهندسي يقوم على مقدمات أساسية، هي تعريفات للحدود الهندسية المستخدمة، ثم قضايا نسلم بها بلا برهان، يحددها العالم فنسلم بها معه ما دام رآها ضرورية لبناء النسق بشرط أن تكون متسقة فيما بينها وكافية للبرهنة على نظريات النسق، وأيضا لا بد أن تكون كل مسلمة مستقلة بذاتها فلا يمكن استنتاجها أو استنباطها من القضايا الأخرى المسلم بها؛ لأنه لو أمكن استنباطها لكانت نظرية مبرهنة وليست مسلمة. من هذه المقدمات، وعن طريق الوسائل المنطقية وقواعد الاستدلال، تستنبط النظريات أو المبرهنات. النظرية الرياضية مبرهنة
theorem
Bog aan la aqoon