121

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Noocyada

أبرق إدنجتون إلى آينشتين يزف النتيجة، وبروح الدعابة التي اشتهر بها آينشتين قال: إنه واثق من صحة نظرياته وسلامة تنبؤاته، ولو كانت النتيجة قد جاءت مختلفة لرثي لحال صديقه العزيز آرثر إدنجتون!

هكذا بفضل بعثة إدنجتون اجتازت النظرية النسبية الاختبار التجريبي العسير، وهنا فقط وبعد أعوام من إعلانها، خرجت من صفحات مجلة «الفيزياء: وقريناتها، ودوائر ثلة من العلماء المتخصصين غير المتعاطفين أحيانا، وأدرك الجميع أنهم بإزاء أثقب نظريات القرن العشرين وواحدة من أخطر المنجزات في تاريخ العلم بأسره. وأصبح آينشتين أشهر علماء القرن العشرين، وتوالت الاختبارات التجريبية التي اجتيزت بنجاح، وفرضت النظرية النسبية نفسها على روح القرن وعلى جميع الأوساط والمستويات الفكرية، وحين انتصف القرن كانت مكتبة نيويورك المركزية تضم أكثر من خمسمائة كتاب عن النظرية النسبية.

وعلى الرغم من أن إسهام الكوانتم في التقدم الفعلي للعلوم الطبيعية في القرن العشرين أثقل وأكثر وأشد عينية من إسهام النسبية، فإن الأخيرة حازت شهرة أكثر في الأوساط الثقافية العامة وأيضا الشعبية، حتى إذا ذكرت ثورة الفيزياء ورد إلى الأذهان اسم آينشتين ونظريته النسبية دونا عن أو قبل اسم ماكس بلانك وزملائه من فرسان الكوانتم العظام، الذين دفعوا العلم الطبيعي دفعته الجبارة في القرن العشرين. على العموم، النظريتان معا هما أساس ثورته الفيزيائية الكبرى وإنجازاته التقانية «التكنولوجية» الباهرة.

وقد أسلم آينشتين الروح رافضا تولي الرئاسة الشرفية لإسرائيل أو حتى الانتقال إليها من مهجره الأمريكي، ويحاول تحقيق أمل العلماء في ضم النظريتين معا في إطار نظرية واحدة للمجال الموحد، بدلا من اثنتين، مثلما ارتكزت الفيزياء الكلاسيكية على نظرية واحدة هي نظرية نيوتن. لم يتمكن آينشتين من إنجاز هذا الأمل، وما زال الشوط طويلا أمامه. وعلى كرسيه المتحرك بالكومبيوتر الشخصي الذي يعوضه العجز عن النطق وعن الحركة، يحاول العبقري الفذ ستيفن هوكنج تحقيق هذا الأمل والجمع بين الكوانتم والنسبية في نظرية واحدة، ربما يتوصل إليها في القرن الحادي والعشرين.

على أن النظرية النسبية حين اتخذت من هندسة ريمان هندسة تطبيقية، بدلا من هندسة إقليدس التي عمل بها نيوتن، جعلت الرياضيات بجلال قدرها وعظيم شأنها تسير في ركاب الثورة، ولا نستطيع أن نتغاضى عن هذا.

ثالثا: الرياضيات في ركاب الثورة

لقد عم المد الثوري وساد تصورات العلم ومفاهيمه واكتسب منتهى الشرعية والمشروعية حين بلغ مداه رحاب السلطة الحكمة وملكة العلوم: الرياضيات، بحيث أصبح التطور المعرفي منذ بدايات القرن العشرين يسير من كل حدب وصوب في ركاب المتغيرات الثورية. على أن نلاحظ قبلا أن الرياضيات ضرورية، بل هي - بتعبير إميل بوترو - علم الضرورة. إننا إذا سلمنا بالمقدم في القضية الرياضية لا بد بالضرورة أن نسلم بالتالي. لم تكن الرياضيات في أي مرحلة من مراحل تطورها التاريخي أكثر أو أقل من تلك الصورة النهائية للضرورة التي تربط بين طرفي القضية الرياضية من حيث هي قضية رياضية في إطار نسقها المطروح. القضية الرياضية بهذا هي الكيان الوحيد في عالم العلم الذي ينبثق كاملا، أو هي الوليد المعجز الذي يولد ناضجا، وكانت الرياضيات دائما هي النموذج الأمثل للضرورة المنشودة في الاستدلال العقلي واليقين المطلق.

ومع هذا، فإن الرياضيات مجرد بناء عقلي بحت وإنشاء منطقي خالص، لا يلتجئ ولا يحتاج - إن قليلا وإن كثيرا - إلى ذلك الوجود المتعين موضوع الفيزياء وسائر العلوم الإخبارية التجريبية. إن الرياضيات ملكة العلوم والمبحث الصوري الرفيع المترفع عن شهادة الحواس وجزئيات الواقع التي تغوص في لجتها العلوم الإخبارية. بعض الأحداث في خبرتنا العادية، كرؤية سحابة تجتمع بأخرى، فنجد حاصل جمعهما سحابة واحدة وليس اثنتين، قد ينقض قواعد الحساب، وأبسط قواعد الهندسة قد يحتاج إلى عالم هندسي مثالي، وقد لا يصدق على الواقع، ولكن نحن لا نطلب منها أن تصدق عليه، بل فقط أن تكون متسقة مع مقدماتها، وأن تتسق معها نتائجها، وبهذا تكون قواعد علم ناجح، و«كما هو معروف العلم الناجح الصحيح على نطاق واسع جدا، بل وغير محدود، إنما يعمل بقواعد الرياضة».

43

على هذا ليس من المفروض إطلاقا على عالم الرياضة البحتة أن يغادر أوراقه وحجرة عمله؛ لينظر إلى الخبرات الواقعية يستمليها أو يستفتيها، ولا حتى عن طريق الرياضة التطبيقية، فكأننا به يقول ملخصا عمله: افترضوا معي هذه المسلمات أو المقدمات، وتعالوا لأريكم ما عساه أن ينتج عنها بواسطة المنهج الاستنباطي الصرف من نظريات، إن صحت فهي ضرورية يقينية يستحيل أن يدانيها سوى اليقين المطلق.

Bog aan la aqoon