والفرق بين أمثال هذين كالفرق بين دارس للزراعة علميا وعمليا، خبير بتربة الأرض وما يصلحها، واقف على ما يصيب كل نوع من المزروعات من أمراض وطرق علاج، وبين زارع كل معلوماته عن المزروعات وأدوائها وعلاج ما يصيبها من آفات لا تعدو ما لقنه من آبائه وما عرفه بالتجربة الناقصة، ونجد مثل هذا الفرق أيضا بين الطبيب والدجال، والمهندس المعماري والذي اتخذ البناء حرفة عن والده.
هذا، ولا يسعنا أن نختم هذا البحث قبل أن نقرر أن دراسة الأخلاق لا يمكن أن تجعل جميع الناس خيارا، فذلك يتوقف إلى حد كبير على الاستعداد الشخصي، ولكن حسبها فخرا وفضلا أنها تبين لنا النجدين، وترشدنا إلى الصراط المستقيم، وتحفزنا إلى عمل الخير وتغرينا به، وأنها كما يقول «أرسطو»
5
المعلم الأول في كتابه علم الأخلاق:
تشد من عزم بعض فتيان كرام على الثبات في الخير، وتجعل القلب الشريف بالفطرة صديقا للفضيلة وفيا بوعدها.
6
وخير ما نختم به هذا الموضوع قول النبي
صلى الله عليه وسلم : «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.»
7
وهكذا شأن الأخلاق والنفوس التي فيها استعداد للخير والفضيلة، والنفوس التي ختم الله على قلوبها فلا تقبل نصحا ولا تنتفع بموعظة،
Bog aan la aqoon