والآن وقد وضح الصبح لذي عينين، وتبين أن في المرء حين يولد استعدادا للخير والشر، وأن أخلاقه لهذا تتغير على حسب ما يؤثر فيها؛ نتكلم عن الوراثة والبيئة، وهما العاملان اللذان لهما كل الأثر في تكوينه. (3) الوراثة والبيئة
10 (3-1) الوراثة (أ) تمهيد
ليست الوراثة وما لها من أثر بالأمر الذي يرجع علمه إلى هذه العصور الحديثة، بل علم ذلك عريق في القدم، أخذ منه الأولون بحظ غير قليل، وعملوا على الإفادة مما علموا؛ ليكون لأممهم شباب نقي الدم وقوي الجسم والعقل.
أدرك هذا المصريون القدماء، الذين يعتبرون في رأي بعض الباحثين الأوائل الذين استعانوا بالقانون لينزلوا الآراء والنظريات الخاصة بتحسين النسل منزلها من الجدارة والتقدير، فعملوا على نقاء دمهم بتحريم الزواج ممن كانوا يعتقدونهم دونهم في المنزلة من الأقوام الذين اتخذوا أعالي النيل مقاما وموطنا.
11
وأدرك ذلك اليونان القدامى، فأخذوا أنفسهم بوأد الطفل الذي يولد ضعيف الجسم غير متناسب الخلق، ونادى أفلاطون وأرسطو بأن من الخير سن قوانين خاصة بالزواج تبين من يسمح له بالزواج دون الآخرين؛ لأنه يجب أن تبدأ التربية قبل الولادة.
هؤلاء وأولئك، وتلك آراؤهم وما دعوا إليه من نظم، كانوا ولا شك على علم بالخطر الذي ينال أممهم إن أجازوا للشاذ الخلق أن يعيش وأن يكون منه نسل، وهذا الخطر الذي أحسوا به هو أن يرث نسل هؤلاء الضعاف أو المشوهين بعض صفاتهم.
وجاء العرب فرأينا منهم من مهر في القيافة، حتى ليكون قوله الفصل في بنوة متنازع فيها، فما هو إلا أن يوازن بين أعضاء من الولد وأخرى ممن يزعم أنه أبوه حتى يتبين له الحق من الباطل، وواضح أن البراعة في هذا شيء من معرفة آثار الوراثة الجسمية، وفي ذلك يقول الشاعر العربي:
ورثنا المجد عن آباء صدق
ونورثه إذا متنا بنينا
Bog aan la aqoon