وأيضا عاطفة الكرم، تلك العاطفة السامية التي تنبئ بالإخاء الإنساني ، نجدها ممدوحة موصى بها في كل الأوساط والأزمان ، فمن الممكن وصفها بأنها حقيقة عامة أخلاقية.
وليس عجيبا أن نرى تقاربا بل اتفاقا على كثير من الآراء الأخلاقية، بل لعل العجيب ألا يكون مثل هذا الاتفاق؛ ذلك أن الناس جميعا، تقدم بهم الزمن أو تخلف، السامي والآري والشرقي والغربي والأسود والأبيض، لديهم جميعا معين للأخلاق يكاد يكون واحدا أو هو واحد في أصله وإن اختلف في بعض التطبيقات تبعا لاختلاف الأزمان والبيئات، ذلك المعين هو الضمير.
وفي هذا يقول العلامة «بارتلمي سانتهلير»، مترجم أرسطو من اليونانية للفرنسية، في مقدمة كتاب الأخلاق لأرسطو:
ولنؤكد من غير أن نخشى الزلل أن حقائق علم الأخلاق في الساعة الراهنة عند الأمم المتمدنة، ليست منذ الآن محلا للجدال بين النفوس الفاضلة، وأن تلك الحقائق لا خوف عليها، يمكن أن يقع الجدال في النظريات، ولكن بما أن سلوك الناس الأخيار هو في الواقع واحد، يلزم حتما أن يكون بينهم قدر من الحق مشترك، يستند إليه كل واحد منهم، من غير أن يستطيع مع ذلك في الغالب أن يقف غيره عليه، ولا أن يدركه هو نفسه.
ومن النادر أن يقع إجماع الآراء على طريقة بسط مذهب بعينه مهما أجيدت ومهما بلغت من الحق، ولكن من الأفعال ما هو مقر عند جميع الناس، وبين أن هذا الإقرار العام سببه أن تلك الأفعال تابعة لمبادئ مسلمة عند الجميع، وتقع على مقتضاها من حيث لا يشعر الفاعل لها في غالب الأحيان.
13
ثم يقول في موضع آخر:
غير أن قانون الأخلاق ليس قانونا شخصيا بل هو قانون عام، قد يكون في ضمير أشد قوة وأكثر وضوحا منه في ضمير آخر، ولكنه موجود في كل الضمائر بدرجات تختلف قوة وضعفا.
إنه ليناجي جميع الناس بلهجة واحدة، وإن كانت أفئدتهم لا تصغي إليه على السواء، ينتج من ذلك أن قانون الأخلاق ليس فقط قاعدة للفرد، بل هو أيضا العامل لوحدة الروابط الحقيقية التي تربط الفرد بأمثاله، لئن كانت الحاجات تقرب بين الناس فإن المنافع تباعد بينهم إذا لم تكن تذكي بينهم نار الحرب، فلولا الاتحاد الأخلاقي لكانت الجمعية البشرية محالا.
14
Bog aan la aqoon