Falsafada Qur'aaniga
الفلسفة القرآنية
Noocyada
ولكنه قدر لا يستلزم في خلد الهمجي الأول نظاما مرسوما لتدبير الأكوان ولا خطة مقررة لتوجيه الإنسان، ذلك فهم للقدر لا يتأتى قبل فهم الكون أو فهم الظواهر الطبيعية وما يربط بعضها ببعض من القوانين أو العلاقات.
وكل ما كان يستلزمه فهم القدر على النحو الذي تخيله الهمجي الأول أنه سيطرة مرهوبة تملك الإنعام والحرمان، وتتحكم في الإنسان تحكم القوي الذي يمضي على هواه، ولا يعرف قانونا يتبعه فيما ينكره أو فيما يرضاه.
وربما خطر للهمجي أن الأرباب أو الأرواح التي يعبدها تلتذ تسخيره وتخويفه ويحلو لها أن تذله وتعتز بقوتها عليه، فهو لا يعرف ما تريد ولا ما ينبغي أن تريد، ولكنه يعرف أنها في حاجة إلى التمليق والمداهنة والاسترضاء؛ لتعطيه ما يريد. •••
ولما أدرك الإنسان شيئا من نظام الأكوان ترقى بالقدر من معنى الهوى الجامح إلى معنى التنظيم والتدبير، وأدخل في سلطان القدر كل موجود في الأرض والسماء، ومنها الإنسان، بل منها الآلهة والأرباب قبل الإنسان.
فالهنود الأقدمون كانوا يؤمنون بسيطرة «الكارما» أو القدر على الزمان والمكان وعلى الخالق والمخلوق، وأنه يعيد الكون مرة بعد مرة على نظام واحد يتكرر فيه كل موجود من أكبر الكواكب إلى أصغر دقائق الأجسام، ولا حيلة للقدر نفسه في تغيير شيء من هذه الأشياء؛ لأنه لا يعي ما يفعل، بل يقع منه الفعل كما ينبغي أن يقع ولا بد له من الوقوع، وكلما تمت دورة من دورات الوجود كان تمامها نهاية الوجود وبداية الفناء، ويبقى القدر مع هذا ليعيد الفناء وجودا متكررا متجددا على النحو الذي ابتدأ منه وانتهى إليه. •••
والبابليون كانوا كما نعلم أصحاب نجوم وأرصاد، فعرفوا الإيمان بالقدر على ما يظهر من طريق الإيمان بالتنجيم.
لأنهم آمنوا بسيطرة الكواكب على مقادير الأحياء، وغير الأحياء، فكل مولود يولد فإنما تكون ولادته تحت طالع من الطوالع التي تتعلق بكوكب من كواكب السماء، والأرض نفسها وجدت تحت طالع من هذه الطوالع زعموا أنه طالع الشمس في برج الحمل، ثم تقاسمت الكواكب خلائق الأرض وأيامها ومواقيت الزرع والعمل فيها، فلا يجري في الأرض حدث من الأحداث إلا بحساب مرقوم في سجل الأفلاك والبروج.
وكانوا يعتقدون بالسعود والنحوس، فمن النجوم ما يسعد ويعطي، ومنها ما يشقي ويحرم، ولا مهرب للإنسان من طالعه الذي يلاحقه بالسعد أو بالنحس مدى حياته، ولكن المنجمين قد يعلمون مجرى هذه الطوالع فيعالجونها بالحساب كما نعالج قوانين الطبيعة اليوم بما نعلم من أحوالها وما نملك من توجيه تلك الأحوال إلى جانب النفع دون جانب الإضرار. •••
ومن الراجح جدا أن القول بالثنوية - أو نسبة أقدار الوجود إلى مشيئة ربين اثنين - إنما كان حلا لمشكلة القدر عند حكماء المجوس الأقدمين، بعد أن بلغوا بصفات الإله الأكبر مبلغا لا يوافق إرادة النقص ولا إرادة الشقاء.
فجعلوا تقدير الخير لإله، وتقدير الشر لإله، وقسموا العالم شطرين بين النور والظلام، وبين الإيجاد والإفناء، وحدوا قدرة الخير؛ ليتجنبوا القول بأن إله الخير يريد الشر ويجريه في قضائه على العباد. •••
Bog aan la aqoon