Falsafadda Ingiriiska ee Boqolka Sano (Qeybta Koowaad)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Noocyada
Radical ، أو المجدد الفلسفي كما أسماه معاصروه، وهو مؤسس مذهبية (أيديولوجية) سياسية واجتماعية جديدة، تقترب في نواح عدة من تلك التي ابتدعها كارل ماركس فيما بعد، ويمكن أن يقال إنها استبقتها، وإن كانت قد بنيت على افتراضات منطقية مختلفة تماما، كما أنها تفوقها كثيرا في اتساع نطاق الروح الشعبية التي ارتكزت عليها. وعلى الرغم من أن أفكاره قد نظمت في مذهب محدد دقيق، فإنها لم تكن ترمي أبدا إلى مجرد التعليم، وإنما إلى هدف عملي هو تغيير النظام القائم للأشياء وتحسينه، وإذ وجدت هذه الأفكار لها أرضا خصبة واسعة، فقد تعلق بها معاصروه بترحيب وحماسة، والواقع أن تعاليم بنتام كانت أشبه بالمغناطيس القوي في جذبها لكل ما هو شائع بين المفكرين الأحرار التقدميين في إنجلترا في ذلك الوقت، وهكذا ظهرت لأول مرة على الأرض البريطانية مدرسة طموحة للتعليم الفلسفي، كان الفضل في إنشائها يرجع إلى اجتهاد التلاميذ أكثر مما يرجع إلى أي اهتمام خاص للأستاذ، وكانت الحالتان الوحيدتان اللتان تشبهانها هما: تلك الجهود الأضعف كثيرا، التي بذلها في اتجاه مماثل مفكرو القرن السابع عشر الذين كونوا «مدرسة كيمبردج»، ثم تلك الجهود التي بذلها المفكرون الذين التفوا حول ريد فيما بعد، ففي مدرسة بنتام اقتبس عدد من التلاميذ المجتهدين المخلصين آراء الأستاذ وعلقوا عليها وأذاعوها في اتجاهات عديدة مختلفة، وأخيرا وضع من هذه الآراء برنامج سياسي، وأنشئ حزب سياسي (عرف باسم حزب «المجددين الفلسفيين»)، لتنفيذ هذه الآراء، مع إنشاء صحيفة أدبية لنشر هذه الآراء، وبذلك تحول المذهب إلى دعوة، بل لقد دخل البرلمان - وهو المكان الملائم لتحويل الأفكار - إلى حقائق واقعة، أما بنتام ذاته فلم يظهر أمام الجمهور، وإنما عاش في عزلة هادئة عاكفا على تحسين مذهبه، وترك لتلاميذه كل ما عدا ذلك من الأمور، وليس من السهل أن نحدد بدقة كم من أفكاره تحقق على هذا النحو بفضل الإصلاحات التشريعية الضخمة التي تمت في العقد الرابع من القرن التاسع عشر، غير أن من الأمور التي يشيع الاعتراف بها اليوم أن روح أفكاره قد تغلغلت فيها، وأسهمت في تحقيقها بنصيب كبير.
ويظهر بنتام في تاريخ الفلسفة على أنه واضع ومؤسس مذهب المنفعة في الأخلاق، غير أنه قطعا ليس أول القائلين بالمنفعة بوصفها مبدأ أخلاقيا؛ فهذا المبدأ متغلغل في التعاليم الأخلاقية الإنجليزية والفرنسية في عصر التنوير، وهو يتخذ فيها أحيانا صبغة واضحة ويطبق من آن لآخر، أما بنتام فقد تلقى فجأة ما يشبه الوحي الجديد الذي أضاء تفكيره كبرق خاطف عندما قرأ المجلد الثالث من كتاب هيوم «بحث في الطبيعة البشرية
Treatise of Human Nature »، وكما يقول بنتام ذاته، فقد ارتفعت الغشاوة عن عينيه عندما تكشفت له لأول مرة الأهمية الكبرى لفكرة المنفعة في السلوك البشري، وفي هذه اللحظة الخلاقة تم تشييد الجسر الذي يصل بين التراث الكلاسيكي وبين فترة إحيائه الحديثة، ولقد كانت أعظم خدمة تاريخية أداها بنتام هي أنه آمن بهذه الفكرة إيمانا راسخا، واتخذ منها مبدأ أساسيا لتفكيره ودعامة رئيسية لمذهبه، وشيد هذا المذهب بجد ومثابرة هائلين، وأمده بثروة ضخمة من المادة التجريبية، ولا يكاد المرء يجد مثلا لأي مذهب فكري آخر قام واضعه بتنظيم مبدأ واحد فيه ودعمه بهذا الحشد الهائل من التجارب كما يجد لدى بنتام؛ ذلك لأن الكمية الضخمة من المادة التجريبية، التي أدرجها تحت مبدئه النظري الرئيسي، لم تكن هي وحدها التي اكتسبت من التجربة، بل لقد كان المبدأ ذاته مكتسبا من التجربة، وهنا نستطيع أن ندرك التضاد الواضح بين هذا المذهب وبين آراء المدرسة الاسكتلندية التي كانت خصما تاريخيا لها، فهناك من جهة مبادئ أولية فطرية في الطبيعة البشرية، وهي مبادئ تؤكد المعرفة الحدسية وضوحها المباشر، وعليها ترتكز أحكامنا في القيم، وهناك من جهة أخرى تلك الفكرة البسيطة التي تؤكدها تجارب لا حصر لها، ويمكن تحقيقها في أية لحظة، وهي القائلة بأن كل سلوك بشري يحدده ويملؤه السعي إلى اكتساب اللذة وتجنب الألم، وليس في وسعنا في هذا المجال أن نتحدث بالتفصيل عن الطريقة التي انتقل بها بنتام من هذا المبدأ البسيط حتى وصل إلى التطبيق الشامل لمبدأ المنفعة، ومنه إلى صيغته الأخلاقية المشهورة القائلة: «بأكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس» وكيف انتقل إلى وصف الحياة الأخلاقية بأسرها، ومنه إلى إقامة توازن بين اللذة والألم في السلوك البشري، أو إلى ما يسمى بحساب اللذات
Hedonistic Calculus ، وكيف طبق هذه الأفكار على أشد مجالات الحياة العملية تباينا، ولا سيما السياسة والإصلاح الاجتماعي، وحسبنا أن نذكر أنه حاول رد مجال السلوك البشري بأسره (الفردي منه والاجتماعي) إلى مبدأ سائد واحد شامل لكل شيء، يطبق باتساق صارم وتجاهل قاس للحجج المضادة، وعلى هذا النحو حاول جمع الكثرة المحيرة للظواهر الأخلاقية في نظرة عقلية واحدة، وإخضاعها لمذهب محكم البناء، وهكذا ارتفعت الأخلاق عنده لأول مرة (ومعها المجالات العملية الأخرى للدراسة) إلى مرتبة العلم الدقيق، وأضيفت كالعلم الطبيعي إلى مجال البحث الدقيق. وتتوقف عظمة هذه النظرة، والقدرة على تنفيذها عمليا على العزل الجريء لوجه محدود منفصل، مع تجاهل مترفع لكل الأوجه الباقية. وهكذا اقتطع بنتام - من مجال معقد عديد الأبعاد - سطحا واحدا، وقدمه إلينا بكل مظاهر البحث العلمي الدقيق، وتحقق ذلك بجعل مبدأ المنفعة أهم العوامل وإخضاع الحياة الأخلاقية بأسرها لعنصر الكم تماما، وهكذا أزيلت عن الأخلاق كل العناصر الكيفية، وكذلك جميع الشروط الميتافيزيقية والدينية وغيرها، بل لقد سعى بنتام إلى الاستغناء عن الأساس النفسي الذي كان باحثو الأخلاق الإنجليز من قبله ومن بعده يرونه ضرورة لا غناء عنها.
ولقد تأثر التطور التالي للفكر الإنجليزي - سواء خلال حياة بنتام أو بعدها - تأثرا تاما بمذهب المنفعة في قوته وإحكامه وبنائه المنطقي السليم، ولكن كان من المحتم أن ينحدر هذا المذهب - الذي ادعى أنه نهائي - إلى مرتبة القطعية الجازمة، وأن يكبل كل الأذهان التي تقع تحت تأثيره بدلا من أن يحررها، وإذا استثنينا أتباع المدرسة الاسكتلندية وعددا قليلا من المفكرين الثانويين وأصحاب الآراء الشاذة، فقد ظل مذهب المنفعة وقتا طويلا يفخر بولاء إجماعي له من الفلاسفة والمشتغلين بالفلسفة من الإنجليز، وبدا هنا أن المشكلات الكبرى في الحياة والفكر قد حلت أخيرا، ولم يعد هناك مجال للتطور الحر للقدرات الفلسفية، إلا إذا كان ذلك من أجل التوسع في المبدأ الأساسي بمزيد من الدقة والتفصيل، وتطبيقه على مجالات أوسع، وفي مجال الفلسفة الأخلاقية بدا أن بنتام قد قال الكلمة الأخيرة، ولما كان قد تخلى نهائيا عن المشاكل الميتافيزيقية والدينية، فقد بدا أن أجنحة التأمل النظري قد أصبحت مهيضة، وهكذا أصبح التمسك الصارم بالمبدأ، وهو التمسك السائد في مدرسة بنتام، هو أقوى العقبات في وجه التقدم الفلسفي.
وينبغي أن نذكر - من بين معاصري بنتام الذين أسهموا بأدوار مستقلة، وساروا في طريق الفكر النفعي دون أن يلتزموا مباشرة باقتفاء أثره - أسماء جودون
Godwin
ومالتوس
Malthus
وريكاردو
Bog aan la aqoon