162

Falsafadda Ingiriiska ee Boqolka Sano (Qeybta Koowaad)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Noocyada

على الرغم من أن مؤلفات اللورد هولدين الفلسفية لا تكون إلا جزءا صغيرا من أعماله الرائعة التي كانت متعددة الأوجه إلى حد يبعث على الدهشة؛ إذ كان فقيها مشرعا وبرلمانيا وسياسيا ومصلحا جامعيا وفيلسوفا وكاتبا؛ فلزام علينا أن نعدها مركز حياته، الذي كانت جميع أوجه نشاطه الأخرى مجرد إشعاعات له، وقد أنبأنا هو ذاته في ترجمته الذاتية لحياته، أن مثاليته الفلسفية قد صاحبته في جميع أوجه نشاطه العملية، وأنه قد عاشها فعلا، وأدمجها في كل وجه من الأوجه المتعددة لحياته. ولقد كان هولدين - من بين الهيجليين الإنجليز في جيله - أصرحهم في إبداء إعجابه بالمفكر الألماني العظيم، وأخلصهم في التتلمذ عليه، فأخذ بمذهبه كاملا تقريبا. وهكذا نجد في كتاباته أقوى اعتراف بالهيجلية في اللغة الإنجليزية، باستثناء ما نجده لدى سترلنج، فهو يقول: «إن كل ما في هذه المحاضرات قد أخذته أو اقتبسته عن هيجل ... فليس في وسع أي مفكر آخر أن يفيد الباحث عن الحقيقة بمثل ما يفيده به هيجل، فهيجل هو «أعظم معلم» للمنهج النظري التأملي عرفه العالم منذ أيام أرسطو.»

59

ولا نكاد نجد واحدا غير هولدين، ممن كانوا ينتمون إلى نفس هذه المدرسة، يجرؤ على أن يقول عن نفسه، دون أي تحفظ: «إنني راض بالقول إنني هيجلي، وأود أن أسمى كذلك.»

60

وتميز هولدين، فضلا عن ذلك بفهم عميق للحياة والحضارة الألمانية عامة، وتعاطف تام معها، وهو أمر لم يفقه فيه واحد من معاصريه الإنجليز، كما لم يقترب منه، في سعة نطاق معلوماته ورحابة ذهنه، إلا القلة القليلة. ولقد انصب تبجيله الأعظم، إلى جانب هيجل، على حكمة «جوته» العميقة والواضحة في نفس الآن، فكان هذان - أعني الفيلسوف العظيم والشاعر العظيم - هما النجمين اللذين استرشد بهما في حياته. ومما يدل على ذلك أنه طبع صورتهما في كتابه «مسلك إلى الحقيقة». أما في الفلسفة على التخصيص فكان دينه الأعظم لأرسطو، من بعد هيجل، وكان دائما ينظر إلى تفكيره الخاص على أنه ينتمي إلى ذلك التراث المثالي العظيم الممتد من اليونانيين الأوائل، مارا بأفلاطون وأرسطو، إلى كانت وهيجل ولوتسه. ولقد قابل لوتسه وهو طالب في جامعة جوتنجن ، في السابعة عشرة من عمره؛ فضاعف هذا من اهتمامه بالفلسفة، وأثرت شخصيته الرائعة في نفسه تأثيرا عميقا ظل يلازمه طوال حياته، كما تعرف إلى سترلنج في إدنبرة قبل ذلك بقليل، وعرف هناك أيضا كتابات جرين وكيرد التي أدت، كما شهد هو نفسه، «إلى دفعي في اتجاه المثالية.»

61

ولقد استمد هولدين، من أجل إثراء الفلسفة، عناصر من الحياة العملية والفن والدين والشعر والعلم، وهو أمر لا يستغرب على شخص كان له مثل هذا الذهن الواسع الأفق. وكانت تجمعه في ذلك قرابة روحية بهيجل، بل إنه قد فاق هذا الأخير في اهتمامه البالغ بالعلوم الطبيعية، وإدماجه نتائجها في مذهبه؛ إذ كان هدفه هو تجديد الهيجلية بمساعدة ما توافر منذ عهد هيجل من معارف جديدة أكثر دقة. ولقد أظهر هذا الرجل، الذي كانت مشاغله عديدة هائلة، حماسة وتفهما يدعو إلى الدهشة، حتى في الأعوام التي أصبح فيها متقدما في السن، في التعمق في أسرار الفيزياء الحديثة، ولا سيما نظرية النسبية، وفي ربط مبادئها بالمشكلات الفلسفية. ولقد كانت النسبية فكرة من أفكاره المركزية، التي عرفها على أسس فلسفية محضة قبل نشر نظرية أينشتين، في كتابه «مسلك إلى الحقيقة» (1903-1904). ولما تبين له - فيما بعد - أن في نظرية أينشتين ما يبدو أنه تأييد لها؛ توسع فيها، ولا سيما في كتابه «عهد النسبية». فالحقيقة واحدة غير أن هذه الواحدية أو الكلية ليست واضحة للذهن البشري للوهلة الأولى؛ إذ لا يرى هذا الذهن إلا أوجها جزئية منها، ويتأمل هذه الأوجه في تركيبها الخاص وفي طريقة وجودها الخاصة، من وجهة نظر جزئية. على أن وجهة نظر عالم الفيزياء مختلفة عن وجهة نظر عالم البيولوجيا، وهذه مختلفة عن وجهة نظر الفيلسوف؛ لذلك كانت معرفة الفيزيائي جزئية شأنها شأن عالم الموضوعات التي يدرسها، ولم يكن في وسع مقولاته أن تمتد إلى العالم البيولوجي. والواقع أن كل وجهة نظر خاصة إنما هي نسبية فحسب إذا ما نظر إليها في ضوء الحقيقة الكلية. هذا بصورة مجملة هو المبدأ العام والفلسفي البحت للنسبية، الذي لا يعد مبدأ أينشتين - في نظر هولدين - إلا تطبيقا جزئيا له. ونستطيع أن نطلق على هذا الموقف اسم «العلاقية

relationism »، تمييزا له من الموقف الذي شاع أن يطلق عليه اسم النسبية

relativism ، والذي لا يجمعه به أي عنصر مشترك.

ويقتضي مبدأ النسبية ارتباطا وثيقا بين الفلسفة والعلوم الخاصة، أي بين وجهة النظر الكلية ووجهات النظر الجزئية. وقد عبر هولدين عن هذا المطلب صراحة في أول بحث فلسفي كتبه (علاقة الفلسفة بالعلم)، وهو البحث الذي تكاد تظهر فيه جميع الأفكار الهامة التي قال بها فيما بعد. وليس قانون النسبية، في أساسه، إلا قول هيجل إن الحقيقة هي الكل، صحيح أن وجهات النظر الخاصة في العلوم المختلفة تظل محفوظة في المعرفة من حيث هي كل، ولكن ينبغي أن نضيف إلى ذلك أمرا لا يقل عنه أهمية، هو أنها لا تجد لها مكانا، ولا تدخل في علاقة بعضها مع البعض، إلا في هذا الكل. أما النظر إلى أي وجه جزئي على أنه مطلق، وتجميد أي فرع للمعرفة على صورة يصبح معها مستقلا عن الفروع الأخرى وعن الكل، فأمر فيه تناقض مع مبدأ كلية الحقيقة ووحدة الواقع. فالواقع، في ماهيته النهائية، هو روح، لا تدرك خلال المراحل المتعددة للوجود والمعرفة إلا نفسها، ولا تكشف إلا ذاتها، خلال مرورها بعملية الإدراك الذاتي الديالكتيكية، فهي الكل العيني، وهي وحدة المعرفة والوجود، والحقيقة والواقع.

Bog aan la aqoon