Falsafa Noocyadeeda iyo Dhibaatooyinkeeda
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Noocyada
ويكاد هذا اللفظ يشرح نفسه بنفسه: فالذهن والجسم يمثلان سلسلتين من الحوادث تتميزان بأنهما منفصلتان، ومستقلتان، ولا توجد بينهما رابطة سببية، بل توجدان جنبا إلى جنب في تواز كامل. ويعترف أنصار هذا الرأي بأن لكل تغير ذهني تغيرا جسميا مناظرا له، وأن هذين التغيرين يصاحب كل منهما الآخر دائما وبالضرورة في ارتباط وثيق. غير أن ما تتميز به هذه النظرية عن كل ما عداها هو أنها تنكر أية علاقة سببية بين الاثنين. فمهما يكن من حتمية الارتباط بينهما، فإنه ليس ارتباط تأثير، فالذهن والجسم دائرتان مقفلتان، لا تؤثر إحداهما في الأخرى. وهما، كما اقترح البعض، أشبه بشريكين في رقصة أشباح دائمة لا تنتهي بعناق أبدا.
الاعتراضات على نظرية التوازي
وجه خصوم نظرية التوازي - كما يمكننا أن نتوقع - انتقادات شديدة إليها. ولعل أكثر الألفاظ تداولا في وصف هذه النظرية هو صفة «الاستحالة» أو «الامتناع». ومع ذلك فقد دعا إليها اثنان من أعظم الشخصيات في الفلسفة الحديثة، هما اسبينوزا وليبنتس، وكان لها مؤيدون قديرون حتى اليوم. ويبدو أن أقوى الاعتراضات الموجهة إليها هي: أنها أولا تخالف مبدأ التطور البيولوجي، الذي يقول إن الكائنات التي تظل باقية في الصراع من أجل الوجود هي تلك التي تكون لها قيمة وظيفية أو قيمة تمكنها من البقاء؛ أي تساعد الكائن العضوي على تحقيق تكيف أفضل مع بيئته. وهكذا فإن فرض التوازي يجعل الذهن غير قابل للتفسير على الإطلاق، ما دام لا يؤثر في الجسم أو في بيئته المادية. فكيف إذن أتيح للذهن أن يستمر في الوجود، وأن يزيد مقدرته وأهميته طوال مجرى التطور؟
ويعترض ثانيا على نظرية التوازي بأن نتائجها ممتنعة. فلا يمكن أن تكون نتيجتها المنطقية إلا نوعا من مذهب شمول النفس
؛ أعني المذهب القائل إن هناك «ذهنا» في كل الأشياء وفي كل مكان من النظام الطبيعي؛ ذلك لأنه إذا صح ما تقول به النظرية من وجود نوع من الارتباط الحتمي المتبادل بين الحوادث الجسمية والذهنية، فإن كل حادث ذهني لا يناظره حادث جسمي فحسب، بل إن كل حادث جسمي لا بد أيضا أن يكون له نظير نفسي من نوع ما. وهكذا فلن يكون هناك فقط نظير واع لكل التغيرات الجسمية (كالحركة اللولبية للأمعاء أو نمو الخلايا مثلا)، بل إن الحوادث المادية البحتة في الطبيعة، كتحلل الصخور، لا بد أن يكون لها بدورها نظير نفسي من نوع ما. ولقد اعترف بعض القائلين بنظرية التوازي صراحة بهذه النتائج التي تؤدي إلى القول بشمول النفس - ومنهم ليبنتس مثلا - ولكن غيرهم ينفر من هذه النتائج المنطقية التي تبدو لا مفر منها في نظر معظم خصوم هذه النظرية.
موقف ليبنتس
ربما كان أكثر دعاة نظرية التوازي اتساقا بين كبار الفلاسفة هو ليبنتس نفسه، وهو عالم رياضي وميتافيزيقي ألماني في القرن السابع عشر.
4
والواقع أن المأزق العقلي الذي أدت به النظرية إليه، فضلا عن الوسيلة اليائسة التي اضطر إلى اتباعها للتخلص من هذه النتيجة، تكشف عن تهافت وجهة النظر هذه. فقد واجه ليبنتس، شأنه شأن كل المدافعين عن هذه النظرية، مشكلة تفسير طريقة حدوث هذا التوازي، وكذلك (إن أمكن) سبب وجود هذا الارتباط الدائم والعقيم بين الطرفين. ولعل الحل الذي أتى هو الحل الوحيد الذي يمكن اقتراحه في هذا الصدد: فالله قد خلق مملكتين توأمتين، هما مملكتا الذهن والمادة، ثم ربط بينهما ربطا دائما عن طريق نوع من «الانسجام المقدر
» وقد استخدم ليبنتس، لإيضاح رأيه هذا، تشبيه الساعتين المشهور. فمن الممكن أن نتصور صانع ساعات خبيرا يمكنه صنع ساعتين بلغتا من دقة التركيب وكمال الصنعة حدا يجعلهما، بمجرد بدئهما معا، يظلان يدلان دائما على نفس الوقت في انضباط تام. في هذه الحالة لن يكون هناك تأثير من الواحدة في الأخرى، ولا علاقة مع الأخرى، ويظلان يعملان جنبا إلى جنب في موازاة مطلقة. وهكذا الحال في سببية - من أي نوع - إذ لا حاجة إلى هذا أو ذاك؛ ومع ذلك فإن حركاتهما تظل متوازية على الدوام، بحيث تطابق كل دقة دقة، وتتفق كل ساعة تماما مع الأخرى، ويظلان يعملان جنبا إلى جنب في موازاة مطلقة. وهكذا الحال في عالمي الجسم والذهن التوأمين. فالله قد وفق بين سلسلتيهما المستقلتين من الحوادث، بحيث يتلاءمان على أكمل نحو، والانسجام المقدر لا يخفق أبدا، بل إن ظواهر العالمين تنسجم في تواز مطلق طوال وجودها. (7) مذهب الظاهرة الثانوية
Bog aan la aqoon