Falsafa Noocyadeeda iyo Dhibaatooyinkeeda
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Noocyada
إذا ألقينا نظرة عامة على هذا الفصل، لوجدنا فيه اتجاها واضحا نحو ذلك التقابل الأساسي بين المثالية والمذهب الطبيعي، وهو التقابل الذي عرضناه في الفصلين السابقين. ومن الواضح أن هناك، فيما يتعلق بأصل الحياة وتطورها، مدرستين فكريتين بينهما تضاد شديد. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع التوحيد بين مذهب الخلق وبين المذهب المثالي (إذ إن المثالي ينبغي أن يصل إلى تفاهم مع العلم الحديث، كما ينبغي أن يفعل الفلاسفة في كل مدرسة) فإن المثالي، حتى حينما يقبل الفرض التطوري، يجد في عملية التحول والنمو خطة أو غرضا أو «استراتيجية» من نوع ما. وهكذا فإنه، في نظر المدافع عن المذهب الطبيعي لا يقبل ارتباطا بالمذهب فوق الطبيعي عن مذهب الخلق. والواقع أن المثالي، والقائل بالمذهب فوق الطبيعي، يفترضان قوة أو فاعلا خارجا عن نطاق العمليات العادية للطبيعة. فالقائل بالخلق مثلا يجعل من هذه القوة شيئا لا يرسم خطة أو يضع هدفا فحسب، بل يتدخل في النظام الطبيعي لكي يحقق هذه الخطط. وهناك تشابه بين القائل بالمذهب فوق الطبيعي في العصر الحديث. وبين المثالي في هذه المسألة - بل إن الصلة بين المدرستين في هذه المسألة تبلغ من الوثوق حدا يستحيل معه التمييز بينهما. فكلتاهما تقبل الموقف التطوري العام، ولكن كلا منهما تبدي اهتماما هائلا بالعملية التطورية من حيث هي أداة, فالمدرستان تنظران إلى التطور (وضمنه التغير الفلكي والجيولوجي، فضلا عن النمو البيولوجي المتدرج) على أنه لا يعدو أن يكون الوسيلة أو العملية الخلاقة التي أنتج بها الذهن الشامل ذهنا بشريا، والروح الشاملة روحا بشرية؛ أي إنه أداة كبرى استخدمها الذهن الإلهي أو المطلق في تكوين أذهان بشرية؛ وبالتالي في إيجاد القيم أو الخير بطريق غير مباشر.
والواقع أن من المنطقي، وربما من المحتم، أن ينظر المثالي إلى التطور في هذا الضوء. فلما كان قد التزم الاعتقاد بأن أساس الكون روحي، واتجاهه خاضع لتحكم القيم، فمن الطبيعي أن يذهب إلى أن كل العمليات الكونية لها آخر الأمر طابع منتج للقيم. وهذا الاعتقاد العميق المتأصل هو الذي أتاح للمثاليين قبول التطور، على حين أن كثيرا من معاصريهم القائلين بمذهب الألوهية، ولكن من وجهة نظر ضيقة، قد وجدوا فيه عقبة خطيرة في وجه الإيمان الديني.
وبطبيعة الحال فإن القائل بالمذهب الطبيعي يقبل وجهة النظر التطورية قبولا تاما، ولا يحتاج إلى الاهتداء إلى غرض أو خطة في العملية التطورية لكي تصبح مقبولة لديه. ففي استطاعة المذهب الطبيعي أن يواجه النظرية القائلة إن العضوي قد انبثق من غير العضوي، وأن الحياة قد تدرجت من أشكال دنيا إلى تلك المجموعة الهائلة من الأنواع الموجودة حاليا، دون أن يفترض قوة أو غاية أو شخصا أعلى يقف من وراء هذه العملية. ومن الواضح أن هذا يعود بنا إلى المصادرة الثالثة من مصادرات المذهب الطبيعي التي عرضناها في الفصل السابق. هذه المصادرة تقول إن سلوك الكون، سواء في مجموعه وفي كل تفاصيله، لا يتحدد إلا بطابع الكون ذاته، الذي يعمل بوصفه نظاما واحدا مكتفيا بذاته ومعتمدا على ذاته. ومن هنا فإن صاحب المذهب الطبيعي ينظر إلى التطور في مجموعه على أنه عملية طبيعية خالصة، ليس فقط في ألياتها المحددة، بل أيضا في بدايتها الأولى. وواضح أن ذلك يؤدي إلى استبعاد أي فاعل متدخل يبدأ حركة التطور، وأي هدف يفترض أن العملية تتجه إلى تحقيقه.
وبالاختصار فإن التطور غائي في نظر المثالية (وفي نظر مذاهب الألوهية التي استطاعت التفاهم مع النظرية التطورية). أي إنه يسير نحو تحقيق هدف أو غاية. وهكذا فإن القوة الأساسية فيه هي قوة جاذبة من الأمام؛ أعني أن هناك حالة مقبلة، أو هدفا، يدفعان عملية النمو المتدرج وينشطانها. أما المذهب التطوري فيرى، على العكس من ذلك، أن القوة الدافعة هي قوة من الخلف
Vis a Tergo (أي إن كل شيء يحدث نتيجة لحوادث ماضية). وفي هذا المجال يكون المذهب الطبيعي ذا اتجاه حتمي تماما، إذ ينظر إلى التغيرات التطورية على أنها نتيجة لعلل طبيعية بالمعنى الدقيق؛ أعني حوادث سابقة تنجت هي ذاتها بفعل قوى يشتمل عليها الكون الذي يسير ذاته بذاته.
ولا شك أن موقف كل من المذهب الطبيعي والمذهب المثالي من الصراع بين النظرتين الآلية والحيوية واضح. فعلى الرغم من أن من الممكن أن يقول المفكر بالمذهب الحيوي وبالمذهب الطبيعي في آن واحد، فإن هذا، إذا حدث، يكون جمعا نادرا. وفي استطاعة من يتخذ موقف الجمع بين هذين المذهبين أن يقول مثلا إن «قوة الحياة» أو «الكمال» الغامض، مهما يكن من استحالة إرجاعها إلى عوامل فيزيائية وكيموية، تظل طبيعية بمعنى أنها لا تمثل عنصرا مقحما من خارج نظام الطبيعة الفيزيائية. غير أن هذا الموقف الممكن نظريا يبدو أنه لا يجذب إلا مفكرين قلائل: فالقائلون بالمذهب الحيوي في البيولوجيا هم على وجه العموم مثاليون. وهذه الحقيقة توحي بسؤال محير: فأيهما جاء قبل الآخر: أهو مذهبهم الحيوي الذي أدى إلى نظرة شاملة إلى الحياة، أم مثاليتهم، التي لم تكن تستطيع أن تقبل إلا نظرية حيوية؟
وأغلب الظن أننا سنجد مفكرين أقل حتى من الفئة التي تحدثنا عنها من قبل، يجمعون بين الآلية في المجال البيولوجي وبين المثالية في المجال الفلسفي. ولنقل مرة أخرى إن الجمع بين وجهتي النظر هاتين ممكن نظريا؛ ففي استطاعة المرء أن يقول بأنه، لو أن أساس الوجود كله ذهني أو روحي، فإن العملية الحيوية لا يمكن تعليلها بالتحليل الفيزيائي تعليلا كاملا. ولكن لما كان أقوى الدوافع التي تؤدي بالفكر إلى اتخاذ موقف مثالي في الميتافيزيقا هو عادة الحاجة إلى صياغة مذهب في العالم يجعل لذهن الإنسان وروحه المكانة الأولى، فإنه يكون من الغريب حقا أن يبدأ شخص إلى تفسير أسبقية الروح في الكون، بأن يفترض أساسا فيزيائيا أو آليا للحياة ذاتها. وبعبارة أخرى، فلما كان «الذهن» و«الروح» معتمدين على عمليات حيوية تتم في الكائنات العضوية، فإن من المنطق الغريب أن يؤكد المرء أن هذه العمليات ذاتها ذات طابع فيزيائي فحسب؛ إذ إن هذا يعني الاعتراف بأن أساس الوجود مادي، وهو بالطبع مضاد للمسلمة المثالية الأساسية المتعلقة بطبيعة الواقع. وأيا ما كانت نتيجة الخلاف بين المذهب الآلي والحيوي، فيبدو أن من المؤكد أن المثالي سيظل يؤيد النظرية الحيوية ما دام من الممكن عقليا أن يفعل ذلك.
أما الآن، فلا بد لنا من أن نواصل سيرنا، ونتعرف بقية أفراد أسرة المشكلات الفلسفية.
الفصل السادس
الذهن: لغز أم أسطورة أم نظام آلي؟
Bog aan la aqoon