Falsafa Noocyadeeda iyo Dhibaatooyinkeeda
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Noocyada
وهناك مشهد معين في إحدى التراجيديات اليونانية القديمة، يمكن أن يبصرنا بطبيعة هذا المسعى الفلسفي. في هذا المشهد يعود أجاكس، وهو أحد أبطال الجيش اليوناني في حربه الطويلة ضد الطرواديين، ولكنه بطل يتسم بشيء من الغباء، يعود إلى داره بعد سقوط طروادة، وهو يتيه فخرا وخيلاء بفتوحاته في ساحة الوغى. وفي آخر الأمر، تشعر آلهة الأولمب المتسامحة ذاتها بالسأم من غروره، وتدبر له عقابا مناسبا؛ ففي ذات يوم تسلبه الآلهة عقله حيث يضطر إلى مهاجمة قطيع من الغنم، وذبح الكثير منها متوهما أنه ما زال يقاتل أهل طروادة. وعندما يستعيد رشده، يكون قد أصبح موضع سخرية اليونان بأسرها؛ فها هو ذا أجاكس، المحارب المغوار، يقضي وقته الآن في ذبح الغنم! على أن مثل هذه السخرية أمر لا يحتمل في نظر شخص لديه دوافع أنانية قوية كهذا البطل السابق؛ لذلك قرر أجاكس، بعد إمعان الفكر في موقفه، أن يعمد إلى الانتحار - وهو الحل التقليدي لمثل هذه المشكلة. فأخذ يشحذ سيفه الذي أصبح الآن مدنسا، ثم تريث لحظة أخيرة محاولا أن يفهم ما الذي حدث له بحيث جعل مكانته كبطل تنحط إلى هذا الحد المؤسف. وقبل أن يغمد سلاحه في نفسه يهتف صارخا للآلهة المنتقمة: «النور! النور! يا ليتني أموت فيه!» في هذه اللحظة الأخيرة من حياة أجاكس، ارتفع إلى المستوى الذي يحاول الفيلسوف أن يعيش فيه في كل الأوقات: فالشوق إلى المعرفة قد سما فوق كل شوق آخر، وهو قد رأى أن الموت يغدو أقل مرارة وإذلالا لو أمكن أن يقترن بالفهم.
التضاد مع الموقف الديني : ليس في وسع الدين أن يقدم نظيرا لهذا الموقف الفلسفي. فالهدف الأول لكل عقيدة تقريبا هو إعطاء أتباعها إحساسا بالسلام والانسجام. وأفضل وسيلة تحقق بها هذا الهدف هي أن تفترض عالما يكون فيه للفرد قيمة وغاية، ويكون فيه لحياته معنى لشيء أو لشخص غيره هو ذاته وغير المقربين إليه. فإذا لم يستطع رجل الدين أن يجد أسبابا عقلية لهذا الاعتقاد، فإنه يجعل العقل خاضعا، ويهيب بالإيمان أن يمده بالاقتناع الذي يفتقر إليه. وعلى قدر ما يطلب الفيلسوف رضا عقليا، يطلب الشخص المتدين رضا انفعاليا. وكل نوع من الذهنين تتملكه الحيرة عادة حين يجد الآخر قانعا بهذا المستوى في الرضا، وكل منهما يجد في الطرف الآخر، في أغلب الأحيان، شخصا ينظر إليه شذرا.
الاختلاف الثالث: المسلمات المبدئية
والعامل التالي الذي يفيد في التفرقة بين هذين الميدانين الكبيرين يتبع العاملين اللذين أوضحناهما عن كثب. هذا العامل هو درجة التسليم التي يأخذ بها كل منهما قبل بدء عملياته العقلية. وهذا يشمل المسلمات والمصادرات وشتى أنواع الأفكار المفترضة.
ففي الفلسفة مثلا يبذل جهد كبير لتجنب التسليم مقدما بأي شيء ما لم يكن ضروريا ضرورة مطلقة، بل إن الفيلسوف يبذل جهدا أعظم للاحتراس من المسلمات الخفية أو اللاواعية. ويشعر الفيلسوف بأن وجود مسلمات غير معترف بها هو إحدى العقبات الكبرى في وجه التفكير الواضح؛ ومن ثم فهو يسعى على الدوام إلى تطهير فكره من أي أثر لها.
مشكلة الله بوصفها مثلا : فلنضرب لذلك مثلا من التضاد بين موقفي كل من الميدانين من مشكلة الله. فاللاهوتي قد يخصص مجلدات لمناقشة طبيعة الله - وعلاقاته بالكون والنفس البشرية الفردية ... إلخ. ولكن مهما طالت مناقشته، ومهما تكن دقة تحليله لفكرة الله، فإن هذا كله يرتكز على أساس افتراض أن الله موجود. وحتى عندما يشتمل التحليل اللاهوتي على ما يسمى بأدلة عقلية على وجود الله، فإننا نجد دائما اقتناعا انفعاليا بهذا الوجود، هو أهم بكثير من أي إثبات مبرهن عليه عقليا. فهناك شيء واحد مؤكد على الأقل في نظر المفكر الديني، مهما تكن الصفات الإيجابية أو السلبية لله، وسواء أكان مشخصا أم غير مشخص، وأيا ما كان دوره في أمور البشر: هذا الشيء المؤكد هو أن الله موجود. فهو يوجد على نحو ما، وفي مقر ما
3
ومعظم اللاهوتيين يعترفون صراحة بأن الله، هو المسلمة الكامنة من وراء كل تفكير لهم. أما المؤمن العادي فقلما يكون شاعرا بأنه يأخذ وجود الله، دون أن يشعر، قضية مسلما بها في أي تفكير يقوم به حول هذا الموضوع. وبالاختصار، فبينما اللاهوتي يعترف عادة بمسلمته الأساسية فإن الذهن المتدين الأقل ثقافة نادرا ما يعترف بذلك.
موقف التجرد في الفلسفة : يتميز موقف الفيلسوف، على خلاف موقف التفكير الديني بمستوييه السالفي الذكر، بأنه موقف تجرد ونظر خالص. فهو يرى أن مسألة الله بأسرها، من حيث وجوده، ومن حيث طبيعته معا، هي مسألة مفتوحة تماما. فالفلسفة لا تعرف «أمورا مقدسة» لا يمكن الاقتراب منها. والمفكر الميتافيزيقي لا يشعر عند معالجته لمفهوم الكائن الأسمى بخشوع يزيد على ما يشعر به إزاء أية مسألة أخرى من تلك المسائل القصوى التي يحار لها ذهن الإنسان . وإن من أول ما يتعلمه دارس الفلسفة، أن نفس وجود ميدان الفلسفة هذا - بوصفه نشاطا عقليا له دلالته - يتوقف على حقنا في مناقشة أية فكرة، أو أي تصور، أو قيمة، أو قانون، أو نشاط، أو نظام داخل في نطاق التجربة البشرية. وكما يقال أحيانا على سبيل المزاح، فحتى الله نفسه ينبغي «أن يقدم أوراق اعتماده أمام مدخل مدرج الفلسفة.»
هذا الموقف النظري المتجرد الذي تقفه الفلسفة، يجعل النتائج التي يصل إليها الفيلسوف أقل تعرضا للاشتمال على مسلمات خفية. فهو يختبر تفكيره ويعيد اختباره مرارا، لكي يتأكد من عدم تسلل أية مصادر لم يعترف بها، أو أي افتراض سابق، في لحظة لم يأخذ فيها حذره. والحالة المثلى هي تلك التي يبدأ فيها تفكيره دون أية مسلمات فيما عدا ما هو ضروري تماما لمزاولة هذا النشاط الفكري. وهو يتمنى لو أمكن إنقاص هذه المسلمات إلى اثنتين أو ثلاث، كوجوده الخاص مثلا، ووجود العالم الخارجي ووجود نوع من علاقة المعرفة أو التجربة بينهما. وبينما أنه من المشكوك فيه أن يستطيع كل فيلسوف أن يدعي صادقا أن عتاده العقلي قد أنقص في الأصل إلى هذه العناصر التي لا تقبل مزيدا من النقصان، فإنه يدعي عادة أنه بذل جهدا واعيا للكشف عن جميع المسلمات - وضمنها تلك المسلمات التي لا غناء عنها كهذه التي تحدثنا عنها.
Bog aan la aqoon