182

Falsafa Noocyadeeda iyo Dhibaatooyinkeeda

الفلسفة أنواعها ومشكلاتها

Noocyada

وهكذا يتضح لنا على الفور أن الوجودية تناقض المذهب الحتمي في صيغته المألوفة. كذلك فإنها تناقض القدرية، والاعتقاد بالمصير المكتوب، وكل ما شابه ذلك من المذاهب التي تجعل القوى الخارجية التي ترغم الإنسان مسئولة عن كل ما يتخذه من قرارات. كذلك فإن الوجودية لا تتفق إلا إلى حد ضئيل جدا مع نظريات التحيل النفسي التي تصور الإنسان بأنه مجموعة من العقد والأفعال المنعكسة المكيفة (الشرطية

Conditioned Reflexes )، التي تتكون خلال سنوات نشأة الفرد، والتي تتحكم في دوافعه إلى حد بعيد. وبالاختصار، فإن الوجودية تؤمن بأن للإنسان حرية - حرية كاملة، بل «حرية مخيفة». وترى هذه المدرسة أن الإنسان لا يكون أصيلا؛ أي إنسانا حقيقيا - إلا إذا كان شاعرا بهذه المسئولية الكاملة، وبكل ما تنطوي عليه من نتائج.

الوجود يسبق الماهية : يتضمن لفظ «الوجودية» تأكيدا لهذه الفكرة ذاتها. فهو مستمد من تضاد ضمني مع النظرة الغربية إلى الطبيعة البشرية، وهي النظرة التي ظهرت في القرن الثامن عشر،

5 ⋆

ونقلها إلى العصر الحاضر عدد لا حصر له من الفلاسفة والشعراء واللاهوتيين والروائيين وكتاب المسرح. هذه النظرة التقليدية ترى أن هناك طبيعة بشرية أساسية، تتمثل في كل فرد، وتقرر الحد الأقصى لما يمكنه أن يحققه، والحد الأدنى لما يمكنه أن ينحدر إيله. وهكذا كان المفروض أن «ماهية» الإنسان شيء لا تستطيع البيئة أو الاختيار الفردي أن يغيره إلا قليلا. ولما كانت هذه الماهية تعد فطرية، فقد كانت موجودة بالقوة عند الميلاد، وتتحقق كاملة خلال حياته البالغة.

وتعتقد الوجودية أن الإنسان ليست له «ماهية» بهذا المعنى الذي تكون فيه شيئا يسبق الوجود الفردي. فليس ثمة شيء اسمه «الإنسان بوجه عام» أو «الجنس البشري» بالمعنى التجريدي. وبالاختصار، فليس ثمة إنسان أفلاطوني، وإنما هناك فقط «أناس»؛ أعني أفرادا يوجدون في زمن محدد وموقع معين من التاريخ، يأتون إلى العالم دون أن يحملوا أية «ماهية»، واقعية أو ممكنة. فأهم الأفكار الأساسية في الفلسفة الوجودية بأسرها هي ببساطة الفكرة الآتية: الوجود يسبق الماهية، لا العكس، كما هي الحال في النظرية التقليدية في الإنسان، كما عرضناها منذ قليل. فنحن نصنع ماهيتنا الخاصة - كل منا بطريقة فردية، ودون أن يشترك مع غيره في شيء - ونحن نصنعها في كل لحظة من لحظات حياتنا. وهذا يفسر العبارة الوجودية القائلة إننا لا نكسب «ماهية» حتى لحظة موتنا، عندما لا يكون علينا القيام بمزيد من الاختيار، ويكون «المشروع» قد تم. وعلى ذلك فإن عمرا كاملا من الوجود يسبق اكتساب «ماهية». وحتى عندما نكون قد أتممنا المشروع بالموت، واكتسبنا هذه الماهية، فإن هذه الماهية تظل مع ذلك فردية، بل متفردة لا نظير لها. فالطابع الذي حققناه، والشخصية التي نميناها، والتاريخ الفردي الذي صنعناه عن طريق المرور بأحداث معينة خلال حياتنا - كل هذه أمور شخصية وفردية تماما. ومن المحال أن تصبح جزءا من «ماهية الجنس البشري»، حتى بعد الموت.

ويعترف الوجودي بأن التحقيق الكامل لهذه الحرية، والشعور بمسئوليتنا الكاملة عن كل اختيار نقوم به، يبعث في نفوس معظم الناس ضيقا وقلقا شديدا. غير أن الشخص الأصيل لا يستطيع الهروب من هذا «القلق الأخلاقي» ولو كان هناك علاج نفسي تدعو إليه الوجودية، لكان هذا العلاج معينا للفرد على أن يعيش مع القلق، لا على البحث عن وسائل للقضاء عليه؛ ذلك لأن القلق يغدو أمرا لا مهرب منه، حالما ندرك نتائج اختيارنا إدراكا تاما. على أن هذا «القلق الأخلاقي» ليس هو الهم أو الانشغال المعتاد الذي يخشى فيه الأشخاص المخلصون أو ذوو الضمائر الحية من أن يرتكبوا «خطأ»، وإنما هو شيء أعمق وأبعث على الخوف بكثير؛ فهو الشعور الدائم بأن كل اختيار له دلالته وأهميته، وبأن ذلك لا يقتصر على الاختيار الأخلاقي المألوف فحسب. ذلك لأن كل اختيار يحمل في طياته مسئوليتنا الشخصية الكاملة، وبذلك يصبح كل اختيار جزءا من تاريخنا «وماهيتنا» الدائمة.

وتزيد الوجودية من حدة هذا التوتر، ومن «القلق الأخلاقي»، حين تصور الكون بأنه عرضي تماما، وذلك بالنسبة إلى تجاربنا المنعزلة. ويترتب على ذلك أن تكون الحياة لا معقولة بالضرورة، ويكون وجود كل فرد أمرا لا تحكمه أية ضرورة. وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى ألفاظنا الضخمة الغامضة، ولكنا أصبحنا الآن أكثر استعدادا لتحليلها بطريقة مفهومة. وسوف نكرس بقية مناقشتنا في موضوع الوجودية لهذا التحليل.

الوجود عارض : يتعين على كل فرد، أو أسرة، أو منظمة، تنفق على أساس ميزانية محددة مقدما لعدة شهور، أن تخصص نسبة مئوية من دخلها المتوقع «لاعتمادات الطوارئ». وهذا اعترافات بأن أدق تخطيط لا يمكنه التنبؤ بحاجات المستقبل تنبؤا دقيقا. فلا بد أن يكون هناك احتياطي مخصص للمواقف غير المتوقعة أو غير المنتظرة أو الطارئة، التي تنشأ حتما في حياة الكائنات العضوية والمنظمات. هذه المواقف هي «الظروف العارضة».

وعندما يقول الوجودي إن «كل وجود عارض»، فإنه لا ينكر إمكان الاعتماد على قوانين الطبيعة، أو إمكان التنبؤ والتحكم العلمي. فقد تكون الطبيعة مماثلة في حتميتها وانتظامها للصورة التي صورها بها العلم في القرن التاسع عشر، أو قد يكون اللاتحدد كامنا في ماهيتها، كما يبدو أن الفيزياء المعاصرة تقول. غير أن هذا أمر لا شأن للوجودي به. وإنما المهم بالنسبة إلى الناس - وكذلك بالنسبة إلى كل الكائنات الحية - هو هذه الحقيقة الأساسية، وأعني أنه بالنسبة إلى تاريخ حياتهم الفردية، يكون العالم عارضا تماما. فمن الممكن أن يحدث أي شيء لأي شخص. وبغض النظر عن مدى ما قد تصير إليه القدرة التنبؤية في المستقبل، فإن هذا الموقف الأساسي لن يتغير. إن من الممكن أن يكون العلم دقيقا كل الدقة بالنسبة إلى الاحتمالات العامة (الطبيعية والاجتماعية معا). فهو يستطيع أن يقول مثلا إن الشخص الذي يقود سيارته بسرعة ثمانين ميلا في الساعة، والذي يرتكب حادثا، يكون احتمال موته في الحادث أكبر من مرات احتمال موته لو كان يقود سيارته بسرعة ثلاثين ميلا في الساعة، أو يستطيع أن يقول إن السائق الذي يتجاوز على الدوام السرعة المصرح بها بنسبة خمسين في المائة يكون احتمال ارتكابه حادثا أقوى من احتمال ارتكاب غير المسرعين له. ولكن العلم لا يستطيع أن ينبئنا بشيء عن احتمال ارتكاب السائق الفرد؛ أي الإنسان الفعلي، لا «السائق المسرع» بالمعنى العام - للحوادث، أو عن العمر المتوقع له. فالسائقون المتمهلون يرتكبون بدورهم حوادث، بل يلقون مصرعهم فيها. صحيح أن الاحتمال في الحالة الأخيرة أقل، غير أن الإمكان قائم. ومن الممكن أن يحدث أي شيء لأي شخص، بل إن الشخص الذي لا يقود سيارة يمكن أن يقتل في أول مرة يركب فيها سيارة.

Bog aan la aqoon