Falsafa Noocyadeeda iyo Dhibaatooyinkeeda
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Noocyada
ويقدم أ. ج. رامسبرجر مثلا رائعا لمعيار «الفارق يجب أن يحدث فارقا» هذا، مطبقا على نوع من العبارات الميتافيزيقية، فيقول:
إذا قال لنا فيلسوف مثل هيجل إن «الفكرة الأزلية، في الازدهار التام لماهيتها، تدفع نفسها أزليا إلى العمل، وتولد ذاتها وتستمتع بها بوصفها ذهنا مطلقا»، فإنه يبدو ظاهريا وكأنه يؤكد حقيقة واقعة. فلا بد له إذن أن يكون قادرا على أن يقول ما معنى هذا، عن طريق ترجمته إلى عبارات تشير إلى حالة يمكن ملاحظتها، وتكون دليلا على صحتها. وقد يدعي من يدافع عن هيجل أن من الممكن تفسير هذه العبارة على نحو يفي بهذا الشرط، ولكن الأرجح أنه سيدافع عن موقفه بالقول إن هناك موجودات ميتافيزيقية لا تعرف بأية وسيلة تجريبية. والرد الوحيد على ذلك هو أن نسأله: ما الذي يعنيه بالقول إن قضاياه الميتافيزيقية صادقة وليست كاذبة؟
3
إن أول سؤال يتبادر إلى ذهن التجريبي المنطقي فيما يتعلق بأية عبارة، قبل أن يبحث فيما إذا كانت صحيحة أم باطلة، هو «ما الذي تعنيه؟» فحسب. وهو يطلب على هذا السؤال ردا يبين كيف يمكن تحديد صحة العبارة أو بطلانها. والواقع أن التجريبية المنطقية فريدة بين المدارس الفلسفية من حيث إن أفرادها لا يقضون حياتهم في محاولة أن يبينوا لأفراد المدارس الأخرى المنافسة لمدرستهم أنهم على خطأ، وإنما هم يكتفون في معظم الأحيان بأن يبينوا فمنافسيهم أن عباراتهم لا معنى لها، وأنها غير قابلة للاختبار بواسطة أية طريقة يمكن تصورها من طرق الملاحظة أو التجريب. ولقد أدت هذه المطالبة الدائمة بأن تكون للقضايا الميتافيزيقية معان قابلة للتحقيق، إلى فقدان التجريبيين المنطقيين شعبيتهم بين أقرانهم من الفلاسفة. ذلك لأنه إذا قال لك خصمك في الفلسفة إن عباراتك باطلة لكان في ذلك ما يثير أعصابك، أما إذا قال لك إنها عبارات لا معنى لها، وإنها في حقيقتها لغو، لكان ذلك أسوأ من مجرد إثارة الأعصاب!
الدليل المباشر وغير المباشر : عند هذه النقطة يجوز أن يكون الطالب المفكر قد أثار سؤالا له دلالته؛ فهل تفي المعرفة العلمية كلها بهذا الشرط الصارم؛ أعني الشرط القائل بأن من الضروري أن تكون كل عبارات ذات معنى، وهو الشرط الذي يحاول التجريبي أن يضعه؟ أم أن هذا مثل أعلى في المعرفة يستحيل تحقيقه، وهو مثل أعلى صعب المنال حتى بالنسبة إلى مطالب العلم الصارمة؟ وماذا نقول عن عمليات الاختبار البعيدة تماما عن الطابع المباشر. والتي يلجأ إليها العلم لتحقيق فروضه التفسيرية؟ فمثلا، ما الذي تستطيع الملاحظة، بالمعنى العادي لهذا اللفظ، أن تنبئنا به فيما يتعلق بالتركيب الذري؟ ألم تصبح المعرفة العلمية أعقد، وأساليب العلم في البحث أدق، من أن يقال إنها مبنية على أسس تجريبية بالمعنى الدقيق؟ وماذا نقول عن الاستخدام المتزايد للرياضيات في العلم: ألا تصاغ معظم البراهين العلمية الآن في صورة معادلات، كثيرا ما تكون شديدة التعقيد، تتضمن مئات الخطوات من الاستدلال المنطقي الرياضي؟
إن المذهب التجريبي المنطقي يدرك تماما أن قدرا كبيرا من البحث العلمي ولا سيما في العلوم الفيزيائية، يتم على مكتب أو سبورة، لا وسط صفوف الأجهزة التي نجدها في المعمل. كذلك يدرك التجريبي أن النسبة المئوية للأعمال الورقية في التجربة العلمية (والمقصود بالأعمال الورقية في هذه الحالة، الحساب الرياضي في أغلب الأحيان) تزداد ارتفاعا على ما يبدو كلما ازداد العلم تقدما وازدادت إجراءاته دقة. غير أن التجريبي يعلم أن كل بحث وتجريب علمي، مهما يكن الدور الذي تلعبه العمليات الرياضية فيه. ومهما يكن الطابع الملتوي غير المباشر لأساليبه التجريبية، ينبغي أن يبدأ وينتهي بالملاحظة. فالباحث، الذي يبدأ بالوقائع الملاحظة، قد يظل شهورا، وربما أعواما، يهيم في بيداء من الصيغ وسلاسل الاستدلال الرياضي. ولكن مهما طالت رحلته العقلية غير القائمة على الملاحظات ودارت، فلا بد أن يعود به المطاف آخر الأمر إلى عالم الطبيعة من حيث هي قابلة للملاحظة. في مقابل الطبيعة من حيث هي موضوع للاستدلال. وما لم تتم رحلة الإياب هذه التي يعود فيها الباحث إلى قواعده الأصلية، وهي الملاحظة (التي تتخذ في كثير من الأحيان صورة تجربة فاصلة
Crucial )، فلن يكون لدينا علم.
وتشير التجريبية المنطقية إلى التضاد الصارخ، في هذا الصدد. بين العلم من جهة وبين الميتافيزيقا واللاهوت من جهة أخرى. فالميتافيزيقي واللاهوتي على السواء يبدآن نشاطهما العقلي بالملاحظة. وهذه بطبيعة الحال ملاحظة أوسع تعميما من تلك التي يستخدمها العلم، ما دام أساس هذا السعي وراء الفروض الكونية التفسيرية الشاملة هو عادة الكون بأكمله ، وتجربة الإنسان بأسرها في الكون. غير أن هذين الباحثين العقليين الآخرين عن التفسير، على خلاف العالم، لا يستطيعان القيام برحلة إياب ناجحة يعودان فيها إلى عالم المعطيات التجريبية. وبالاختصار، فإن الميتافيزيقي أو اللاهوتي لا يستطيع تصميم تجارب يختبر بها فرضه التفسيري المتعلق بطابع الواقع، والمصير الإنساني، والطبيعة ... إلخ. ومن الممكن أن يكون فرضه (الذي قد يكون تعدديا) مناقضا لفرض أحد خصومه (الذي قد يكون واحديا). ومن هنا فلا يمكن أن يكون الاثنان صحيحين: فمن الواضح أن ها هنا فارقا من ذلك النوع الذي كان في ذهن «بيرس». ولكن كيف يؤدي - بل كيف يمكن أن يؤدي - هذا الفارق البادي إلى إحداث فارق حقيقي، وما الذي سيتغير في تجربتنا إن كان أحد الرأيين صحيحا والآخر باطلا؟ وما الذي سيحدث على نحو مخالف، أو ما الذي سيتغير؟ صحيح أن مشاعرنا قد تتغير إذا قبلنا هذا الرأي أو ذاك، ولكن ما الذي سيتأثر على أي نحو في العالم الموضوعي المشترك الذي نتقاسمه جميعا؟ هل ستسير الأمور على أي نحو مختلف إذا ثبت أن الكون تعددي. عنها إذا تحققنا من أنه واحدي؟ وهل يتغير الكون والتاريخ البشري إذا استطعنا أن نثبت أخيرا على نحو ينأى عن الشك مذهب الألوهية أو مذهب الإلحاد؟ ومن الواضح أن شيئا من هذا لا يتغير، وهو ما يتضح من أن هذه الآراء الميتافيزيقية اللاهوتية المتباينة قد ظهرت في ظل نفس المجموعة من الظواهر التاريخية ونفس المجموعة من المعرفة البشرية التراكمية. فإذا كان من الممكن أن تكون لدينا مذاهب عقلية متناقضة تفسر نفس الوقائع الملاحظة، فمن الواضح عندئذ (تبعا لاستدلال التجريبية المنطقية) أن هذه التفسيرات لا معنى لها. ذلك لأنها لما كان لا تحدث فارقا، فإن أي فارق ظاهري بينها إنما هو فارق لفظي أو وهمي بحت.
التجربة الفاصلة ودلالتها : تصمم التجارب الفاصلة في العلم لغرض صريح هو إثبات فرض وتفنيد الفرض أو الفروض المنافسة له. ومن الممكن بلوغ هذا الموقف المحدد المعالم عن طريق خطوة استنباطية - في السلسلة الكاملة للاستدلال العلمي. في هذه الخطوة نحدد النتائج المتوقعة مقدما، بحيث تكون النتائج هي تلك التي لا تحدث إلا إذا كان الفرض موضوع البحث صحيحا، والفرض المضاد باطلا. وهكذا فإن العالم يقول لنفسه (ضمنيا على الأقل)، وهو يضع تجاربه، شيئا يقرب من هذا: «إن معرفتنا التراكمية عن هذا الميدان تجعلنا موقنين بأن خصائص الظواهر موضوع البحث من شأنها ألا يحدث إلا شيء واحد عندما نتخذ خطوتنا الأخيرة، إذا كان فرضنا صحيحا. وقد استبعدنا نحن (أو العلماء السابقون علينا) كل الإمكانيات الباقية، فلا بد أن تسفر خطوتنا التجريبية الأخيرة عن فارق معين في هذا الاتجاه أو ذاك؛ وبالتالي تقدم إلينا إجابة قاطعة بنعم أو لا.»
ويشير التجريبي المنطقي إلى هذه المواقف التجريبية بوصفها أمثلة رائعة لتحقيق الشرط الذي وضعه بيرس، والقائل إن الفارق لا بد أن يحدث فارقا، وهو فضلا عن ذلك يشير إلى هذه التجارب بوصفها أفضل أمثلة توضح ما الذي يجعل العبارة صحيحة أو باطلة؛ إذ إن الاختبار الفاصل لا يترك مجالا للشك. ولا بد أن يؤدي إلى الاستغناء عن أحد الفرضين المتنافسين. غير أن من المستحيل، في الميتافيزيقا واللاهوت، أن نكشف أي الآراء المتعددة صحيح وأيها باطل؛ لأنه لا يوجد واحد منها يحدث أي فارق حقيقي. فكل منها يشعر مؤيديه بالرضا الانفعالي، وطمأنينة النفس، والثقة والاتزان العقلي، غير أن هذا الفارق الذاتي لا يجعل الرأي صحيحا أو ذا دلالة بأي معنى موضوعي أو شامل. ونظرا إلى هذا الافتقار إلى حدوث فارق في النتائج الفعلية القابلة للملاحظة، فإن التجريبي المنطقي يتساءل عما نعنيه عندما نصف إحدى العبارات اللاهوتية الميتافيزيقية بالصحة والأخرى بالبطلان. ذلك لأنه لما كانت الاثنتان غير قابلتين للإثبات بنفس المقدار، فإن أية قضية تستخلص منهما هي كذلك غير قابلة للتحقيق؛ وبالتالي فهي آخر الأمر قضية لا معنى لها.
Bog aan la aqoon