Falsafada Jarmalka: Hordhac Kooban
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
ويسمي كانط القواعد العامة لفهم الموضوعات «مقولات»، وهو مصطلح أخذه عن أرسطو الذي نظر إلى المقولات باعتبارها تحدد الطرق التي يمكن أن يعبر بها عن الأشياء. وبالنسبة لكانط تحدد المقولات «تصورات أي موضوع بوجه عام»، الأمر الذي لا يمكن استمداده من النظر إلى العالم. ومقولات الوحدانية والتعددية هي أساس ما يصطلح كانط على تسميته «الأحكام التركيبية القبلية»، وهذه هي الأحكام الرياضية التي كان يظن من قبل أنها بديهية، لكن يرى كانط أنها تثبت كيف استطاع العقل أن ينمي معرفته عن طريق التفكير المحض. فالعدد 4 لا يمكن تعريفه مثلا على أنه 2 + 2 فقط؛ لأنه يمكن أيضا أن يكون مركبا من 3 + 1 و4 + 0 ومجموعات أخرى لا نهائية، من قبيل 3,3333 + 0,6667، وكلها يمكن أن تزيد معرفتنا بالعدد 4. (ومن القضايا التي لا تزال محل نزاع حقيقة ما إذا كان يجب التفكير في هذه التراكيب على أنها بالفعل «مضمنة في» 4، حتى إذا لم نكن نحسبها.) وتقدم مقولة السببية أفضل طريقة لفهم حجته بشكل عام؛ فإذا كنت أظن أن شيئا علة شيء آخر، فسوف أحكم بأن الحدث (ب) يتبع بالضرورة الحدث (أ)، وما أدركه أنا هو (أ) ثم (ب): والتفكير فيهما على أنهما مرتبطان بطريقة سببية يتطلب أكثر من تعاقب حدث على آخر؛ فهو يتطلب كلا من مقولة السببية والقدرة على الحكم بأن ارتباط الحدث (ب) مع الحدث (أ) السابق عليه ارتباط ضروري. ويركب الحكم على نحو فاعل الأجزاء المختلفة للتجربة الإدراكية في علاقة بعضها مع بعض. ويرى كانط الأحكام على أنها «تلقائية»: بمعنى أنها - خلافا لكل شيء في عالم الطبيعة - ليست مسببة عن شيء آخر . والأحكام تقتضي منا اتخاذ موقف بشأن إن كان شيء ما هو الواقع القائم أم لا؛ فمادة الإدراك تعطيها لنا «القابلية السلبية للتلقي»، والمعرفة تنتج من التطبيق الفاعل للمقولات والتصورات على تلك المادة. ولعل كانط بطريقة مذهلة (ومحل تساؤل) يصر على أن المكان والزمان هما إطار يقدمه تفكيرنا، وليسا خاصيتين للعالم الموضوعي؛ وهذا لأننا إنما ندرك الأشياء في مكان وزمان محددين، حيث لا توجد طريقة لإدراك الأشياء «كلها دفعة واحدة». والحاجة إلى التركيب تأتي بسبب أن التجربة تقع داخل هذا الإطار المحدد، وعلى التفكير أن يربط اللحظات المختلفة للتجربة ليجعلها مفهومة.
الذات الحديثة
يعتمد البناء الكامل لتوصيف كانط للمعرفة على ما يسميه «الوحدة التركيبية للإدراك الواعي». و«الإدراك الواعي» هو القدرة على تأمل المرء في أحكامه: بمعنى أنني يمكنني أن أدرك عن وعي بعد ظهيرة اليوم حقيقة أنني فكرت هذا الصباح في أيام عطلتي؛ ومن ثم فقد كنت حتما موجودا في لحظة التفكير بشأن أيام عطلتي، وفي لحظة التفكير بشأن التفكير فيها. وهذا التتابع «التركيبي» لذاتي هو أساس الذاكرة. ودون وجود ما يربط لحظات التجربة - والذي يجب من وجهة النظر المنطقية أن يكون هو الشيء نفسه في كلتا اللحظتين - لن توجد طريقة لجمع ما هو مختلف معا؛ ومن ثم يقول كانط إنه «يجب أن تكون «أنا أفكر» قادرة على مصاحبة جميع تمثيلاتي.» ولكن الشق المنطقي يمكن أن ينطوي على شيء أكثر تأكيدا؛ ففكرة العالم المتسق الآن تبدو هي نفسها معتمدة على وحدة الذات، ومن ثم يمكن التفكير في هذه الوحدة بطريقتين: الأولى تتضمن فقط الشق المنطقي المبين توا، أما في الثانية فيمكن تضخيم الوحدة إلى فكرة النفس باعتبارها «النور» الذي يجعل العالم مفهوما. وستحظى هذه الحالة الازدواجية للنفس بأهمية بالغة في الفلسفة الألمانية اللاحقة.
تنطوي الحداثة على زيادة هائلة في قدرة الإنسان على تحصيل المعرفة والسيطرة على الطبيعة، وإذا كان أساس هذه القدرة هو حقا فاعلية الذات، فمن الممكن إذن ربط المشكلات التي تجلبها التغيرات العلمية والتقنية بالتفسيرات المختلفة للذاتية. ولأن الذات متناهية وفانية، فإنها تعتمد بطبيعتها على كونها كائنا طبيعيا، ويمكنها أيضا في الوقت نفسه الهيمنة أكثر فأكثر على الطبيعة الخارجية والداخلية، وربما تؤدي الهيمنة على الطبيعة عندئذ إلى محاولات كارثية للتغلب على اعتماد الذات على الطبيعة. وعلاوة على ذلك، فإن الذات تبدو في الوقت نفسه جزءا من الطبيعة الفيزيائية، ولكنها أيضا ليست جزءا من الطبيعة؛ لأنها تتمتع بحرية أخلاقية في مقاومة دوافع طبيعية. ويتصدى كانط للإشكاليات التي تنشأ من هذا الوضع الثنائي؛ ومن ثم يمكن أن تقرأ الطرق المتناقضة التي فسرت بها أقوال كانط على أنها تعبيرات عن الطبيعة المنقسمة لرؤية البشر لأنفسهم في الحداثة.
الأشياء في ذواتها
إن الانقسامات في الوجود البشري الحديث هي العنصر الأكثر تجليا في تأملات كانط عن الحرية، وتعتمد هذه الانقسامات على تمييزه بين الكيفية التي يظهر بها العالم وكينونة العالم «في ذاته»، وبين العالم باعتباره «ظاهرة» والعالم باعتباره «شيئا في ذاته»؛ فكل شيء في العالم الظاهر خاضع للقوانين الحتمية، بما في ذلك عقولنا وسائر أجسادنا. وفي الوقت نفسه، عندما نقاوم نزغات غرائزنا التي يمكن تفسيرها على نحو سببي، فنحن نتصرف وفق «سببية نابعة من الحرية»؛ فنحن نمنع أنفسنا من فعل شيء لأننا نظن أنه خطأ. وينعكس الجانب غير المعقول من رؤية كانط في حقيقة أن تلك القرارات لا تقع في مكان وزمان؛ لأن كل شيء يقع خاضع للقوانين الحتمية. أما الجانب المعقول في هذه الرؤية، فإنه ينعكس في حقيقة أن المجتمعات تحمل أفرادها مسئولية ما يفعلون، ما لم يتأت إظهار أنهم أكرهوا على فعله من خلال قوى خارجة عن نطاق سيطرتهم.
ويرانا كانط أحرارا «في ذواتنا»، لكن وفقا للكيفية التي تحددنا بها القوانين الطبيعية على أننا موضوعات ظاهرة في الطبيعة. ومع ذلك، فمعنى «الشيء في ذاته» مشاع عنه الغموض؛ فلا يمكننا أن ندرك كل ما يتعلق بموضوع ما دفعة واحدة، ولذا ربما يعني إجمالي أوجه الموضوع، ولكنه يمكن أيضا أن يعني أن الطبيعة الحقيقية للأشياء مخفية في جوهرها؛ لأننا إنما نصل إلى الأشياء «بالنسبة إلينا». ويوحي هذا الغموض بشعور حديث بعدم الارتياح بشأن مكان الجنس البشري في الطبيعة. وربما يمكن للمعرفة البشرية الوصول إلى الطبيعة بصورة احتمالية - إن لم تكن فعلية - في جميع جوانبها، إلا أنه يحتمل أيضا أن المعرفة العلمية تحجب أو تحدث طرقا نخفق بها في فهم الطبيعة. وتوجد مجموعة من أهم العلاقات الإنسانية بالطبيعة لا تعتمد على معرفة القوانين السببية، ولكن ربما تكون لها صلة - على سبيل المثال - بالكيفية التي يمكن بها للطبيعة أن تكون مصدرا للتجديد الروحي، أو أن تكون شيئا يصان ضد صروف التكنولوجيا وسلبياتها. ويرجع السبب في نشأة هذه الأفكار إلى أن ثمة علاقة فيما يبدو بين حرية الإنسان والشعور بجانب لا يمكن معرفته من الطبيعة: فلا الحرية ولا الطبيعة في ذاتها جزء من عالم الظواهر.
العقل والحرية
يدرك كانط أن المرء لا يمكنه ببساطة أن يستبعد القضايا التي تثيرها «الميتافيزيقا»؛ أي وضع صورة عامة عن الكيفية التي يتشكل بها العالم. ومهمة «العقل»، في مقابل مهمة «الفهم» المعرفي، هي إرساء مبادئ تجعل أفكارنا مترابطة. واكتشاف المزيد دوما من القوانين الجديدة للطبيعة لا يخبرنا عن ماهية ارتباط هذه القوانين بعضها ببعض؛ ولأجل ذلك يحتاج المرء إلى «فكرة» أن جميع الظواهر الطبيعية محكومة بقوانين وتؤلف نظاما كليا، وهو ليس بالأمر الذي يمكننا التأكد منه. وللأفكار مكانة تنظيمية؛ فنحن نحتاج إليها لترتيب الأفكار عن الأشياء بوجه عام، لكن ما تزعمه ليس «جوهريا»؛ لأن ذلك سيتضمن زعما من النوع الذي يرفضه كانط باعتباره «دوجماتيا». ومن ثم، فجميع التساؤلات المتعلقة بالطبيعة المطلقة للأشياء تصبح مستعصية الإجابة، لكن هذا - كما يصر كانط نفسه - لا يتخلص من الدافع لطرحها.
في النقد الأول، يثبت كانط - الذي كان هو نفسه مؤمنا - على نحو هادم أن البراهين الفلسفية على وجود الإله غير صحيحة؛ ومن ثم فالدين يجب أن يكون مسألة إيمان لا معرفة. فأين يدع ذلك الأسئلة «الكبيرة» عن معنى الحياة؟ ترجع صرامة بعض ما توجب على كانط أن يقدمه هنا إلى القيود التي لاحظناها، ويعد النقد الثاني وكتاب «أساس ميتافيزيقا الأخلاق» محاولتين لإعطاء أساس للأخلاق دون الاحتكام إلى السلطة الإلهية. وليس بالضرورة أن يكون الاعتقاد الذي لا يزال شائعا بأن الأخلاق تحتاج أساسا مطلقا من النوع الذي يقدمه علم اللاهوت؛ مقنعا. ولعل كل ما يحتاج إليه المرء من دافع للتصرف بأخلاقية هو إدراك أن الآخرين يمكن أن يعانوا مثلما يعاني. ورغم ذلك، يظل كانط مهتما بإعطاء تبرير حاسم للمعايير التي يستخدمها المرء للحكم على ما ينبغي أن يفعله؛ لأسباب أهمها أنه يرى ضرورة الحصول على طرق لتبرير العقوبات القانونية على الذين لا يطيعون أمر التصرف على نحو أخلاقي. والشيء المذهل فيما يقترحه هو أنه لا ينطوي على وصايا أخلاقية ملموسة.
Bog aan la aqoon