229

Falak Dair

الفلك الدائر على المثل السائر (مطبوع بآخر الجزء الرابع من المثل السائر)

Tifaftire

أحمد الحوفي، بدوي طبانة

Daabacaha

دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع

Goobta Daabacaadda

الفجالة - القاهرة

أقول: إن أبا الطيب لم يقصد إلا مقصدا صالحا، ولكن هذا الرجل لم يتفطن له؛ لأنه مدحه بالسخاء والشجاعة، وهما المعنيان الشريفان الجليلان، فقال في القسم الأول وهو قسم السخاء يا بحر يا غمامة، وابتدأ بالبحر لأنه دون الغمامة مكانا؛ لأنه تحتها وهي ربته؛ لأنه منها يتكون، ولولا الغمامة لم تكن مياه الغدران والأمطار، وما يتكون منها كالأنهار، فإن هذه الأشياء هي التي يعنيها بالبحر لا البحر الذي هو الماء الملح، ولا الأسطقس الكلي١.
ثم قال في قسم الشجاعة: يا ليث الشري يا حمام، فابتدأ بالليث وانتقل إلى الحمام بعده، لأن الليث لولا الحمام لم يرهب، فالحمام أشد رهبة في الصدور من الليث، ثم ختم البيت بقوله يا رجل، أي أنت هذه الأشياء كلها، وأنت مع ذلك إنسان من البشر، وذلك أعجب وأطرف.
وإنما قدم السخاء على الشجاعة؛ لأن حاجة جمهور الناس إلى السخاء أكثر من حاجتهم إلى الشجاعة، والناس إلى رئيس عظيم السخاء أميل منهم إلى رئيس عظم الشجاعة؛ لأن انتفاعهم به أكثر، فأبو الطيب قصد هذا المقصد، أو يصح أنه يقصد هذا المقصد، ولو أتى بالبيت على الترتيب الذي ذكره المصنف لم يحصل له هذا المعنى.

١ الأسطقس: والأستقص هو الشيء البسيط الذي يتركب منه الشيء المركب مثل الحجارة والقراميد والخشب التي يتركب منها البناء، والحروف التي يتركب منها الكلام، والواحد الذي يتركب منه العدد. والأسطقسات الأربعة هي النار والهواء والماء والتراب "مفاتيح العلوم للخوارزمي ٨٢".

4 / 243