138

Subaxii Islaamka

فجر الإسلام

Noocyada

وهذه القصة إن صحت دلت على وقوف كعب على مكيدة قتل عمر، ثم وضعها هو في هذه الصبغة الإسرائيلية، كما تدلنا على مقدار اختلاقه فيما ينقل.

وعلى الجملة فقد دخل على المسلمين من هؤلاء وأمثالهم في عقيدتهم وعلمهم كثير كان له فيهم أثر غير صالح.

وقد أنحى باللوم كثير من العلماء على القصاص والوعاظ، كما فعل الغزالي في كتابه «الإحياء» فقد عد عملهم من منكرات المساجد، لما كانوا يقترفون من كذب، واستثنى الحسن البصري وأمثاله.

والحق أن الحسن البصري كان قاصا من نوع آخر، فلم يكن ينحو منحى الذين يعتمدون على الإسرائيليات والنصرانيات، إنما كان يعتمد على التذكير بالآخرة ونحوها؛ ويستخرج العظة مما يقع حوله من حوادث؛ فقد كان يجلس في آخر المسجد بالبصرة وحوله الناس يسألونه في الفقه وفي حوادث الفتن التي كانت في عهده، ويحدثهم بما صح عنده من حديث، ويقص عليهم فيعظهم ويذكرهم؛ فمما أثر من قصصه قوله: «يا بن آدم لا ترض أحدا بسخط الله، ولا تطيعن أحدا في معصية الله، ولا تحمدن أحدا على فضل الله؛ ولا تلومن أحدا فيما لم يؤتك الله، إن الله خلق الخلق فمضوا على ما خلقهم عليه، فمن كان يظن أنه مزداد بحرصه في رزقه فليزدد بحرصه في عمره، أو يغير لونه أو يزد في أركانه أو بنانه»، وكقوله: «يا بن آدم لم تكن فكونت، وسألت فأعطيت، وسئلت فمنعت، فبئس ما صنعت»، ثم يكرر ذلك مرارا، وله أقوال كثيرة من هذا النحو مبثوثة في كتب الأدب.

وهنا أمر لا بد أن يكون قد استرعى نظرك، وهو أن أكثر من ذكرنا من منابع القصص كتميم الداري، ووهب بن منبه، وكعب الأحبار من أهل الكتاب من اليمن، فما السر في ذلك، ولم كان ما يروى عن يهود اليمن في هذا النوع أكثر مما يروى عن يهود الحجاز؟ لعل السبب أن اليمن كانوا أكثر حضارة كما علمت، وقد استتبع هذا وجود مدارس يهودية أرقى مما كان ليهود الحجاز - وهذه المدارس اليمنية ثابتة تاريخيا - فكان من نتيجة ذلك انتشار الثقافة اليهودية في اليمن بما فيها من شروح للتوراة وأساطير ونحو ذلك، على نمط أوسع مما كان ليهود الحجاز، فلما دخل يهود اليمن في الإسلام رووا ما تعلموا فكان لهم أكبر الأثر.

الحركة الثالثة:

الحركة الفلسفية، وهي أقل الحركات - على ما يظهر - انتشارا، وكان مظهرها - أولا - في المدارس السريانية التي كانت منتشرة في أماكن كثيرة من المملكة الإسلامية - كما بينا قبل - وعنهم أخذ المسلمون، وكان من أثر ذلك ظهور بعض المذاهب الدينية التي سيأتي تفصيلها، وقد روينا ما كان لخالد بن يزيد بن معاوية من دراسة فلسفية.

ونلاحظ أنه في هذا العصر ظهر كثير من أطباء النصارى في بلاط الخلفاء، وكان أكثرهم فلاسفة وأطباء معا، كانت دراستهم الطبية لم تكن منفصلة عن دراستهم الفلسفية، كما كان الشأن في فلاسفة المسلمين بعد - كابن سينا والكندي - ومن هؤلاء الأطباء الذين خدموا في البلاط الأموي «ابن أثال»، وكان طبيبا نصرانيا في دمشق؛ ولما ملك معاوية اصطفاه لنفسه، وكان كثير الافتقاد له، والاعتقاد فيه، والمحادثة معه ليلا ونهارا، و «عبد الملك بن أبجر الكناني» وكان طبيبا عالما ماهرا، وكان في أول أمره مقيما بالإسكندرية وكان متولي التدريس فيها ولما استولى المسلمون على البلاد وملكوا الإسكندرية أسلم ابن أبجر على يد عمر بن عبد العزيز، وكان حينئذ أميرا قبل أن تصل إليه الخلافة، وصحبه، فلما أفضت الخلافة إليه نقل التدريس إلى أنطاكية وحران وتفرق في البلاد، وكان عمر بن عبد العزيز يستطبه ويعتمد عليه في صناعة الطب

36 .

وحكى القفطي في أخبار الحكماء: أن ماسرجويه الطبيب البصري كان إسرائيليا في زمن عمر بن عبد العزيز، وربما قيل في اسمه ماسرجيس، وكان عالما بالطب، تولى لعمر بن عبد العزيز ترجمة كتاب أهرن القس في الطب ، وهو كناش فاضل من أفضل الكنانيش القديمة، وقال ابن جلجل الأندلسي: ماسرجويه كان سريانيا يهودي المذهب وهو الذي تولى في أيام مروان في الدولة المروانية تفسير كتاب أهرن القس بن أعين إلى العربية، ووجده عمر بن عبد العزيز في خزائن الكتب فأمر بإخراجه، ووضعه في مصلاه واستخار الله في إخراجه إلى المسلمين لينفع به، فلما تم له في ذلك أربعون يوما أخرجه إلى الناس وبثه في أيديهم.

Bog aan la aqoon