وقد كان ذلك الحادث في «عهد القضاة»،
9
وقت أن كانت الحياة العبرانية القومية لا تزال خاملة لا تكاد تعرف شيئا من الحكم المركزي أو النظام القومي، فقد كان العبرانيون لا يزالون متأثرين كل التأثر بحياة القرون الطويلة التي قضوها في الرعي وتلمس الكلأ على حدود الصحراء قبل أن يدخلوا فلسطين، فكانوا لا يزالون متمسكين بالعادات الساذجة المتبربرة الشائعة بين قبائل الصحراء، بل ببعض التقاليد القريبة من الوحشية التي تلازم الحياة الفطرية، مثل ذبحهم الولد البكر قربانا لإله القبيلة. وهذه الآلهة المحلية قد تكون مثل الشيطان الرجيم الذي كان في ظنهم يسكن فوق قمة الجبل أو عند غدير الماء، على غرار جني الليل المعتم الذي صارعه «يعقوب» - عليه السلام - عند غدير «جابوك» حتى أجبره على الفرار فزعا قبل انبثاق الفجر.
ومثل هذا الجني المحلي كان يطلق عليه في الصحراء الواقعة جنوبي «يهودة» اسم «إيل»، وهذا اللفظ ليس اسم علم، وإنما هو الكلمة السامية القديمة التي كانت تطلق على أي إله محلي. وقد انحدر إلينا في اسم «إسرائيل»، وهو الاسم الذي أطلقه على «يعقوب» الكائن الذي صارعه، وقد بقي لنا كذلك في طائفة من الأسماء مثل «ميخائيل»، ومعناه «الذي يشبه الإله». وفي الأنحاء الشمالية من «كنعان» كانت الآلهة المحلية عند الكنعانيين تسمى «بعولا» أو «أربابا».
ومن الواضح أن بعض العبرانيين الرحل كانوا قد استعبدوا بعد لجوئهم إلى مصر في زمن قحط حدث عندهم، وقد قام من بينهم عبراني امتاز بحسن سياسته وقوة قيادته البارعة، ونصب نفسه عليهم وخلصهم من العبودية، وبذلك صار يعد أول قائد عبراني عظيم وصل إلينا اسمه.
ومن المهم أن نلاحظ أن «موسى» - وهو اسم ذلك القائد - كان اسما مصريا، بل هو نفس الكلمة المصرية القديمة «مس» ومعناها «طفل»، وهي مختصرة من اسم مركب كامل كالأسماء «أمن مس» ومعناه «آمون الطفل» أو «بتاح مس» ومعناه «بتاح طفل». وهذه الأسماء المركبة نفسها هي الأخرى مختصرات للتركيب الكامل «آمون (أعطى) طفلا» أو «بتاح (أعطى) طفلا». وقد لقي اختصار الاسم إلى كلمة «طفل» قبولا منذ زمن مبكر؛ إذ كان سريع التداول والتناول بدلا من الاسم الكامل الثقيل.
على أن الاسم «مس» (طفل) نجده كثير الانتشار على الآثار المصرية القديمة، ولا شك في أن والد «موسى» كان قد وضع قبل اسم ابنه اسم إله مصري مثل «آمون» أو «بتاح»، ثم زال ذلك الاسم الإلهي تدريجا بكثرة التداول حتى صار الولد يسمى «موسى».
على أن ما أظهره «موسى» من الحذق في القيادة مع الشجاعة والمهارة في تخليص شعبه من العبودية الأجنبية، وكذلك حادثة التخليص نفسها التي صاحبتها بعض الكوارث الطبيعية التي قضت على الجيش المصري المقتفي لآثار «موسى» ومن تبعه، كل ذلك لقي مكانة لا تمحى في المعتقدات العبرانية وجعل للعبرانيين إرثا أصليا من الفخار كان هو أقدم الأسباب التي ألفت بينهم وجعلت منهم أمة واحدة.
وفي خلال مرحلة مبكرة من مراحل تلك الأحداث تخلف «موسى» في الصحراء جنوبي فلسطين عند قبيلة من القبائل البدوية التي تعرف بأهل «مدين»، وكان مكثه هناك كثيرا؛ وبخاصة مع أحد خدامهم المقدسين الذي يدعى «شعيب»
Jethro ، حتى إنه عرف منه شيئا عن إلههم المحلي «يهوه».
Bog aan la aqoon