بتاريخ منتصف الحرام من سنة 1342 كتابا وصلني أواخر رمضان من سنته يرغب إلي فيه أن أجيزه بمروياتي وأبيح له التحديث عني بمسنداتي ومجموعاتي مقترحا علي أن تكون الإجازة مشتملة على ما اتصلت به من الفهارس والاثبات اختصارا وتسهيلا على الرواة فصادف مني هذا الاقتراح قبولا رغبة مني في إملاء ما تحصل لدي منه وجمع شتات ما تفرق في المجاميع والبلاد والشيوخ شكرا للنعمة به فقد كنت أول تعاطي لهاته الصناعة وإن كنت قليل البضاعة نهما لأجلها حريصا لالتقاط دررها فرحلت لأقاصي البلدان وشاسع الأطراف والسكان من حجاز ومصر وشام وتونس والجزائر وبلاد المغرب الأقصى حواضره وبواديه وكاتبت أهل الجهات البعيدة كالعراق واليمن والهند واصطنبول وصحراء أفريقية شنجيط وغيره رغبة في الاستكثار فحصل لي من ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد من أهل جيلنا وأقراننا وعرفت من العالي والنازل ما صلت به على كل قرين مناضل وميزت الفرق بين المشرقي والمغربي عند الاشتباه وحفظت الولادة والوفاة والنسبة مع انتباه وجمعت من كتب ذلك وأوراقه ما لا يصدق به الأغمار بعظيم الرغبة وواسع البذل وعزيز الوقت الذي يضن ببعضه قليل التبصر والاعتبار وخدمني التوفيق والسعد في ذلك أكبر الخدمات وأنالني الحظ بوافر القسمات حتى إني لما لقيت مسند الشرق ورحالته ولا ثاني الشيخ أبا الخير أحمد بن عثمان العطار المكي الهندي في مكة المكرمة سنة 1323 جثا بين يدي منصفا وقال لي شاركتني في تراجم المشارقة أهل بلادي وأسانيدهم ومعرفة خطوطهم وأخبارهم ولم أشاركك في أخبار أهل بلادك ولا لي اطلاع على تراجمهم وآثارهم وكان الرجل المذكور والله بحرا متلاطم الأمواج في علم الرجال واسع الدراية عزيز النظير لم أر له نظيرا فيمن رأيت أو سمعت به في عصرنا مشرقا ومغربا والذي أراه كان يقرب منه في العناية وضبط الكثير من أدوات الرواية صديقنا الأستاذ الكبير الشيخ محمد المكي بن مصطفى بن عزور التونسي دفين الآستانة فقد اعتنى أيضا وجمع وقيد وكاتب وكتب وأشبع ولو كان وفق للاعتناء بهذا الشأن وتتبعه من صغره لم يكن له فيه أيضا نظير في أثره وخبره وعلى كل حال فقد كان مسند تونس وراويتها وجماعها ونادرتها رحمهما الله رحمة واسعة وأسدل على قبريهما سدال الرحمة والكرامة السابغة النافعة
Bogga 50