Fahminta Fahminta
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Noocyada
إن اختيار «هيدجر» لكلمة «هرمنيوطيقا» (وهي كلمة مشحونة بالدلالات، من جذورها اليونانية إلى استعمالها الحديث في فقه اللغة واللاهوت) لتومئ إلى التحيز ضد العلم والذي يقف على النقيض الواضح من موقف هسرل، وتنسحب الخصلة نفسها على «الهرمنيوطيقا الفلسفية» لهانز جيورج جادامر وتضفي على اللفظة نفسها نبرة عالية من العداء للنزعة العلمية (المتطرفة/التعالمية)
Antiscientism .
هذان الموقفان المتضادان تجاه العلم يمكن أن يكشفا الفروق بين هسرل و«هيدجر»، تلك الفروق التي ترتبت فيما يبدو على التنشئة الرياضية للأول والتنشئة اللاهوتية للثاني، أراد هسرل للفلسفة أن تكون «علما صارما»؛ تجريبية عليا، أما «هيدجر» فكان يرى أن كل ما بالوجود من صرامة لا يمكن أن يجعل من المعرفة العلمية غاية نهائية، لقد تجلت الميول العلمية لهسرل في سعيه إلى «معرفة ضرورية»
Apodictic Knowledge ، وفي ضروب «الرد»
Reduction
التي قال بها، وفي رغبة في استقصاء كل مرئي وكل متصور من خلال «الرد الماهوي»
Eidetic Reduction
أما «هيدجر» فلم يأت في كتاباته أي ذكر للمعرفة الضرورية أو الردود الترانسندنتالية أو بنية الأنا، وازداد بعد «الوجود والزمان» اتجاهه إلى إعادة تفسير الفلاسفة السابقين - كانت، نيتشه، هيجل - وإعادة تفسير شعر ريلكه وتراكل وهلدرلين، لقد صار تفكيره أكثر «تأويلية» بالمعنى التقليدي، أي مرتكزا على تأويل النصوص، وبينما ظل هسرل علميا بالدرجة الأساس (وهو ما ينعكس في الأهمية التي يحظى بها في علوم اليوم) فقد أصبحت الفلسفة عند «هيدجر» تاريخية، إعادة اكتشاف مبدعة للماضي، شكلا من التأويل، وحتى لو لم ينعت «هيدجر» تحليله للدازاين باسم «هرمنيوطيقا»، فإن اتجاهاته الأخيرة تجعله جديرا بلقب «فيلسوف تأويلي» بلا جدال.
وتتجلى الفروق بين هذين الصنفين من الفينومينولوجيا في مسألة أخرى، هي «التاريخية»
Historicality ، لقد ألمح «هسرل» إلى تاريخية الوعي وقدم وصفا فينومينولوجيا للوعي الداخلي بالزمن، إلا أن توقه إلى «المعرفة الضرورية» قد أدى به إلى أن يترجم «الزمانية» مرة أخرى إلى المصطلحات السكونية المثولية للعلم، وهو في صميمه إنكار لزمانية الوجود نفسه وإثبات لعالم الأفكار ورفعه فوق تيار التغير، هذا ما جعل «هيدجر» يصرح عام 1962م بأن فينومينولوجيا هسرل قد «طورت نمطا وضعه ديكارت وكانت وفخته، وموقفا تبقى تاريخية الفكر غريبة عليه كل الغرابة»، كان «هيدجر» يحس في نفس الوقت بأن تحليله في «الوجود والزمان» كان متمسكا بشدة وعن حق بمبدأ الفينومينولوجيا، غير أن الفينومينولوجيا لا يجب أن تؤول للوعي، فمن الممكن أيضا أن تكون وسيلة لكشف الوجود بكل وقائعيته
Bog aan la aqoon