Fahminta Fahminta
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Noocyada
Divinatory ، والاستشفاف هو أن يضع المرء نفسه موضع الشخص الآخر كيما يفهم فرديته بشكل مباشر، لكأنما هو يخرج من ذاته ويتحول إلى المؤلف نفسه وبذلك يقف على العملية الذهنية لهذا الأخير بمباشرة تامة، على أن الغاية ليست في النهاية أن نفهم المؤلف من الوجهة السيكولوجية، بل أن نجد أقوم السبل، وننفذ أبلغ نفاذ، إلى ذلك الذي يعنيه النص ويقصده. (2) الفهم التأويلي بوصفه فهما للأسلوب
اللغة عنصر أساسي من بداية التأويل إلى نهايته، وحتى استشفاف فردانية المؤلف هو شيء متقوم باللغة ومستند إلى الأسلوب الخاص لهذا المؤلف، ولن يتم أي فهم لنفسية كاتب بمعزل عن لغته وأسلوبه، ومهما بلغت قدرة المرء على فهم الآخرين من بني البشر، فما لم تكن هذه القدرة مضفورة باستبصار لغوي يضيء بنية النص، وينفذ إلى نفسية الكاتب من خلال أسلوبه، فلن يتسنى له الفهم الكامل، إننا نعرف الإنسان في تمام فردانيته من خلال الأسلوب، وسيظل الفهم الوافي للأسلوب هو غاية علم التأويل التي لا غاية وراءها. (3) التأويل كعلم منظم
كانت جهود شلايرماخر التأويلية ترمي إلى تحويل الفهم إلى علم منظم، وذلك بتنظيم الملاحظات المتفرقة في وحدة متماسكة منهجيا، فالفهم في رأيه يجري وفقا لقوانين يمكن اكتشافها والتصريح بها، ولم يقتصر طموح شلايرماخر على وضع مجموعة من القواعد كما كان الحال في مبحث التأويل القديم، بل يرمي إلى كشف القوانين التي يعمل بها الفهم، وتحويل مبحث الفهم برمته إلى علم منهجي يمكن أن يرشدنا في عملية استخلاص المعنى من نص ما.
تطور فكر «شلايرماخر» من التمركز على اللغة إلى التمركز على الذاتية.
لم يكن تطور الفكر التأويلي عند شلايرماخر معروفا قبل عام 1959م، عندما أخذ هاينز كيميرلي يفتش بدأب عن وثائق شلايرماخر غير المنشورة في مكتبة برلين، ويجمع كتاباته التي كتبها بخط يده في تسلسل زمني منظم، هنالك تبين أن الفكر التأويلي عند «شلايرماخر» قد مر بمراحل وشهد تحولا حاسما.
3
في المراحل المبكرة من تطور شلايرماخر الفكري كان التأويل عنده متمركزا على اللغة، صحيح أنه كان منذ البداية يتلمس أهمية معرفة الكاتب نفسه، ويؤكد أن على المرء أن يفهم القائل نفسه حتى يفهم ما يقوله، غير أنه كان يؤكد أيضا أن المرء لن يفهم القائل في نهاية الأمر إلا من خلال اللغة، وجملة القول أنه في مجال التأويل لا شيء نبدأ منه غير اللغة ولا شيء ننتهي إليه غير اللغة، وما من شيء موضوعي أو ذاتي نبتغيه إلا هو كامن في اللغة وينبغي أن يلتمس في اللغة.
كان هذا هو الرأي المبكر عند «شلايرماخر»، ثم حدث تحول حاسم في فكره، فتخلى عن التصور الخاص بهوية الفكر واللغة، وكان سبب هذا التخلي فلسفيا في صميمه: لقد رأى أن مهمته هي التوسط بين «باطنية» الفلسفة التأملية الترنسندنتالية وبين «ظاهرية» العلم الإمبيريقي الوضعي، ورأى أن هناك اختلافا أو تفاوتا بين الماهية الداخلية المثالية وبين الظاهر الخارجي، بحيث يتعذر أن ننظر إلى النص على أنه التمثل المباشر لعملية ذهنية داخلية، بل ننظر إليه على أنه شيء ما قد أسلم إلى الضرورات الإمبيريقية للغة، مهمة الهرمنيوطيقا إذن هي أن تتجاوز اللغة لكي تقف على العملية الداخلية، ورغم أن هذا لا يتم إلا من خلال اللغة نفسها، فإن اللغة لم تعد الآن مرادفة للفكر كما كانت قناعة شلايرماخر لفترة طويلة سابقة، ومن هنا رأى كيميرلي وجادمر أنه قد ضل الطريق وتخلى عن جهوده المثمرة المتمركزة على اللغة من أجل نظرة ميتافيزيقية زائفة.
لقد كان «شلايرماخر» في فكره المبكر في موقف أقرب إلى التصور الحديث حين ذهب إلى أن تفكير الإنسان، بل وجوده كله، تحدده اللغة، وأن فهم الإنسان لنفسه وللعالم هو شيء تقدمه اللغة، غير أنه تخلى عن هذا الموقف المنهجي المتماسك الخصب واتخذ موقفا سيكولوجيا تحولت الهرمنيوطيقا بمقتضاه إلى فن إعادة بناء العملية الفكرية للمؤلف، وهي مهمة لم تعد لغوية في جوهرها، ورغم أن الأسلوب ما يزال في نظر شلايرماخر هو مفتاح لشخصية الكاتب، فإن الأسلوب أصبح يشير إلى شخصية غير لغوية، شخصية لا يعدو أسلوبها أن يكون مظهرا إمبيريقيا لها.
4 (4) أهمية مشروع شلايرماخر في الهرمنيوطيقا العامة
Bog aan la aqoon