220

Fahminta Fahminta

فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر

Noocyada

أدري يا أيون، وسوف أشرح لك سبب ذلك في تصوري: إن موهبتك في الحديث بامتياز عن هومر تكمن في الحجر الذي يسميه يوريبيدس المغناطيس ويعرف عادة بحجر هيراقليا، هذا الحجر لا يجذب الحلقات الحديدية فحسب، بل يسبغ عليها قوة مماثلة لجذب حلقات أخرى، وأحيانا ما تصادف عددا من قطع الحديد وحلقاته يتدلى بعضها من بعض مكونة سلسلة طويلة جدا، وجميعها يستمد قوة جذبه من الحجر الأصلي، وبطريقة شبيهة تقوم إلهة الشعر بنفسها بادئ ذي بدء بإلهام بعض الأشخاص، ومن هؤلاء الملهمين تتدلى سلسلة من الأشخاص الآخرين الذين مسهم الإلهام، ذلك أن جميع الشعراء المجيدين، الملحميين منهم والغنائيين، يؤلفون قصائدهم الجميلة لا بواسطة الفن بل لأنهم ملهمون وممسوسون، ومثلما يفقد المهووسون الكوريبانتيون صوابهم عندما يرقصون، كذلك لا يكون الشعراء الغنائيون بكامل رشدهم أن يؤلفوا أناشيدهم الجميلة، بل يقعون تحت سيطرة الموسيقى والوزن فيمسهم الإلهام، ومثلما تفعل العذارى الباخوسيات إذ تستدر الحليب والعسل من الأنهار عندما تكون تحت تأثير ديونيسوس (لا عندما تكون في كامل صوابها)، كذلك تفعل روح الشاعر الغنائي، كما يقول الشعراء أنفسهم، فهم ينبئوننا أنهم يجلبون أغنياتهم من ينابيع معسولة ، يتخيرونها من بساتين إلهات الشعر ووديانها، إنهم كالنحل يرنقون من زهرة إلى زهرة، وإن قولهم الحق، فالشاعر شيء لطيف ومجنح وقديس، ولا يتأتى له الخلق إلا بعد أن يمسه الإلهام ويغادر حواسه ولا يعود بعقله، فإذا لم يبلغ هذه الحالة فهو بلا حول ولا قدرة على أن يتفوه بنبوءاته.

كثيرة هي الأقوال البليغة التي يتحدث بها الشعراء عن أفعال البشر، غير أنهم، مثلك أنت نفسك عندما تتحدث عن هومر، لا يفرغون قولهم بوساطة أي قواعد فنية، إنهم، ببساطة، مدفوعون إلى نطق ما تمليه عليهم آلهة الشعر دون غيره، وعندما يلهمون فإن واحدهم سوف ينظم أناشيد «ديثيرامب» (أمدوحة ديونيسوس)

Dithyrambs ، والآخر أناشيد مديح، وغيره أناشيد جوقة، وسواه أشعارا ملحمية أو «عمبقية»

Iambic ، والمجيد منهم في لون من هذه الألوان الشعرية غير مجيد في أي لون آخر: ذلك أن الشاعر إذ يتغنى لا يتغنى بواسطة الفن بل بقوة إلهية، أما إذا صح أنه قد تعلم بواسطة قواعد الفن لقد كان حقيقا أن يعرف كيف يقول في كل ألوان الشعر لا في لون واحد؛ لذا فقد سلب الله الشعراء عقولهم واتخذهم وكلاء له، مثلما يتخذ أولياءه وأنبياءه الصالحين، لكي نعرف نحن المصغين إليهم أنهم لا يتكلمون من تلقاء أنفسهم تلك الكلمات النفيسة في حالة غيبوبة، بل إن الله نفسه هو المتكلم، وإنه يخاطبنا من خلالهم، ويقدم تينيخوس الخالقيدي مثالا لافتا لما أقوله: إنه لم يكتب أي شيء يستحق الذكر سوى أنشودة الحمد

الشهيرة التي يرددها كل فم، والتي هي واحدة من أرفع ما سطره قلم على الإطلاق، إنها، ببساطة، من خلق آلهة الشعر كما يقول هو نفسه، فبهذه الطريقة يبدو أن الله يثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك أن هذه القصائد الجميلة ليست بشرية أو من صنع الإنسان، بل إلهية ومن صنع الله، وأن الشعراء ما هم إلا مترجمو الآلهة الذين يتلبسونهم مرارا، أليس هذا هو الدرس الذي أراد الله أن يلقنه عندما غنى بلسان أسوأ الشعراء أجمل الأغنيات؟ ألست محقا في ذلك يا أيون؟

أيون :

بلى، حقا، يا سقراط، إنني لأشعر أنك على حق؛ لأن كلماتك تمس روحي، وأنا على قناعة بأن الشعراء المجيدين، بواسطة إلهام إلهي، يترجمون لنا أقوال الآلهة.

سقراط :

وأنتم، معشر رواة الملاحم، مترجمو الشعراء؟

أيون :

Bog aan la aqoon