Fahminta Fahminta
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Noocyada
ذهب ماركس وإنجلز إلى أن كينونة الأفراد ترتبط بالظروف المادية لإنتاجهم، وأن الأسباب الحقيقية للسلوك الإنساني غريبة عن الفكر الواعي، فهي متجذرة في التنظيم الاجتماعي الذي يوجه شعور الإنسان ويجعله في غفلة عن حاجاته الحقيقية ومثله: «إن إنتاج الأفكار والتصورات والشعور مرتبط ارتباطا مباشرا ووثيقا بالنشاط المادي للبشر، إنه لغة الحياة الواقعية.» (ماركس وإنجلز: الأيديولوجية الألمانية)، الحياة تحدد الوعي، الوعي لا يحدد الحياة. يعني ذلك أن الحياة المادية هي أساس العلاقات الاجتماعية، وأن الشعور مشروط بالوجود المادي والاجتماعي، بحيث يستحيل تجريد شعور الإنسان وأفكاره من شروط وجودها وتحويلها إلى ذات مستقلة وعالم ذهني مفارق للعالم للمادي؛ ولذا فلا فائدة من الصعود إلى مبادئ مجردة لفهم التاريخ، بل ينبغي الاستناد إلى الظروف الواقعية الأبسط والأعم التي أشرفت على السيرورة التاريخية، ففي كل مرحلة من مراحل التاريخ نعثر على جملة من القوى الإنتاجية وعلاقة للبشر فيما بينهم وبين الطبيعة تنتقل من جيل إلى جيل وتتغير بمفعول هذا الجيل الجديد. في ذلك يكمن الأساس الواقعي لما يعبر عنه الفلاسفة بألفاظ من قبيل «الجوهر» و«الذات» و«الشعور» و«الفكر»، والتي تقتضي أن نتتبع نشأتها وتكوينها انطلاقا من ظروف معينة في إطار حركة التاريخ الطويلة.
6
على هذا الأساس المادي أقام ماركس نظرية الاغتراب، وهي نظرية واقعية جدلية من حيث إنها تبرز التناقض التاريخي الحي في صميم ما هو إنساني، وتشير لفظة «الاغتراب» إلى حالة الشعور الذي ينفصل عن ذاته وتسلب خصائصه وقدراته، أي تحول إلى شيء آخر مختلف عنها ومتسلط علينا، المستلب هو الذي لا يمتلك ذاته. إن الإنسان ليفقد ذاته ويصبح غريبا أمام نفسه تحت تأثير قوى معادية وإن كانت من صنعه،
7
ويتأسس مفهوم الاغتراب عند ماركس، كما كان عند هيجل من قبله، على التمييز بين الوجود والماهية، بحيث إن الإنسان يختلف في الواقع (بالفعل
Actually ) عما هو عليه في ذاته (بالقوة
) وهذه الحالة تبرز في العمل وتقسيم العمل، أي في إطار خصائص نظام من العلاقات تميز الرأسمالية بخاصة، ونظام الملكية الفردية بعامة، ذلك النظام الذي يتسم بسيادة القوى اللاإنسانية في المجتمع، وانحطاط العامل جسميا وذهنيا وأخلاقيا.
يثبت ماركس أن العمل فعل يتم بين الإنسان والطبيعة، ويتمثل في إنتاج واقع جديد يقوم فيه الإنسان تجاه الطبيعة بدور قوة طبيعية، وبقدر ما يتطور نظام الملكية الفردية يفقد العمل طابعه الأصلي المتمثل في التعبير عن قدرات الإنسان، ويتحول هو ومنتجاته إلى وجود منفصل عن الإنسان، عن إرادته ومشروعه: «إن الشيء الذي ينتجه العمل (المنتج/المصنوع) يجابهه كالكائن الغريب، كقوة منفصلة عن المنتج، فمنتج العمل هو العمل الذي تثبت وتجسد في شيء، فهو تموضع العمل.» (ماركس - مخطوطات عام 1844م)، بحيث إنه في عملية الإنتاج يعيش العامل علاقته بنشاطه كعلاقة تربطه بشيء غريب لا يملكه، بقوة سلبية وعاجزة، إن العمل الذي يبدو حرا في المجتمع الرأسمالي هو عمل مستغل ومغترب، لا يحقق ذات العامل كشخص ولا هو يحقق علاقات اجتماعية وثيقة وسليمة.
والاغتراب في مجال العمل هو أساس جميع الأشكال الأخرى للاغتراب، بما في ذلك الاغتراب الأيديولوجي، مما يؤكد لنا أن الشعور المزيف هو نتيجة تناقضات قائمة في الواقع، أي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
8 (3) نيتشه
Bog aan la aqoon