Fahminta Fahminta

Cadil Mustafa d. 1450 AH
163

Fahminta Fahminta

فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر

Noocyada

1

شيد هابرماس فلسفته على نفس الأسس الفكرية التي تقوم عليها مدرسة فرانكفورت بصفة عامة، وأهمها أن المعرفة هي نتاج المجتمع، وهو نتاج عرضة في كثير من الأحيان للتزييف والتعمية والتشيء، وأن التأمل النقدي كفيل بكشف هذا الزيف والتغلب على هذا التشيء، وفي عام 1968م أصدر هابرماس كتابه «التقنية والعلم كأيديولوجيا»، وقد أفاد فيه من أفكار هربرت ماركوز (وبخاصة في كتابه «الإنسان ذو البعد الواحد») وافتتح المرحلة الثانية من مراحل تطور مدرسة فرانكفورت.

شهد هابرماس مجهودات التحديث في ألمانيا، وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، وعايش مرحلة البناء المسترشد بالعقلانية، حيث الخطاب الثقافي والسياسي يكبت السؤال ويقصي النقد، وقد دفعه ذلك إلى اختيار الاستمرار في تقليد ثقافي وفلسفي ألماني يتخذ من «السلب» والنفي والنقد مبدأه الموجه، ويجعل من الفلسفة أداة لتفكيك الأفكار والمعتقدات الرائجة والمتداولة، ولمحاكمة الفكر الوضعي الذي يكن له عداء نظريا مكينا.

2

تجذر هذا العداء للفكر الوضعي في قلب مدرسة فرانكفورت بمختلف أجيالها، وصار هاجسها الأكبر كشف الأسس النظرية والتاريخية والاجتماعية التي تسير هذا الفكر، وإماطة اللثام عن «إرادة القوة» التي تتبطن هذه الأسس، الأمر الذي استدعى من أقطاب مدرسة فرانكفورت جميعا التنقيب عن أصول (جينيالوجيا) تلك النزعة العلمية المتطرفة لدى المذاهب الوضعية. (1) هربرت ماركوز

كرس هربرت ماركوز العديد من مؤلفاته لنقد كل أشكال الاستقطاب، وعلى رأسها الاستقطاب العلموي (النزعة العلمية المتطرفة) والتقني، باعتبار التكنوقراطية هي الوجه الآخر للفلسفة الوضعية، «فإذا كان أفلاطون أراد أن يجعل من الفلاسفة سادة، فإن التكنوقراطيين يريدون أن يجعلوا من المهندسين مجلس إدارة المجتمع».

3

في كتابه «العقل والثورة» يؤكد ماركوز على أن «الوضعية» من حيث اشتقاقها تعني مذهب «الإيجاب والقبول»

، وهما أمران يجب أن يفهما في معناهما السياسي والأيديولوجي في سياق القرن التاسع عشر في فرنسا بالذات بعد الثورة الفرنسية. إن «الإيجاب» كان يعني قبول الأوضاع الراهنة والوقوف منها موقف الرضا والمناصرة، خلافا للرفض أو «النفي» الذي كانت تحمل لواءه فلسفات أخرى عاصرها أوغست كونت (1798-1857م)، رائد الوضعية، في فرنسا أو خارجها، أبرزها فلسفة هيجل (1770-1831م) التي كانت ترتكز على فكرة السلب والتناقض، وهو الاتجاه ذاته الذي سار فيه ماركس (1818-1883م) فيما بعد مع تعديله كي يقف على قدميه، هذا فضلا عن الفلسفات الاشتراكية الخيالية في فرنسا كفلسفة سان سيمون (1760-1825م) ومذهب برودون (1809-1865م) الفوضوي، إنها اشتراكيات تستند إلى فلسفة اجتماعية رافضة تتخذ موقف الرفض من الأوضاع الراهنة ومن النظم الاجتماعية القائمة، وتدعو إلى تغييرها تغييرا جذريا في الوقت الذي اقترنت فيه الوضعية مع كونت بالدعوة إلى الإصلاح في إطار ما هو قائم وما هو موجود؛ لذا فإن الإعجاب بالعلم ومعاداة الفلسفة لدى هذا المفكر لا يمكن أن يفهما إلا في هذا السياق، سياق الهجوم المرير على فلسفات السلب والرفض متمثلة في المذاهب الفلسفية الاجتماعية التي عرفت انتشارا في فرنسا، وفي فلسفة هيجل واليسار الهيجلي في ألمانيا.

لا تفهم وضعية كونت حق الفهم إلا في ضوء نقيضها، أي في استحضار الخصم الذي كانت هذه الفلسفة تواجهه، فقد جاءت كرد فعل واع على الاتجاهات النقدية الهدامة في فرنسا وألمانيا، فوصفت مذهب هيجل مثلا، بسبب قوامه النقدي، بأنه فلسفة سلبية تنفي أي واقع لا معقول، وتحاول قياس الواقع وفق معايير العقل المستقل، وهو تحد للنظام القائم وبحث عن إمكانيات الأشياء من دون معرفة واقعها الفعلي؛ لأنها تقتصر على الصور المنطقية ولا تصل إلى العمق الفعلي الذي لا يمكن استنتاجه في هذه الصور، إن الفلسفة السلبية، نظرا إلى بنائها التصوري، «تنفي (أو تنكر) الأشياء على ما هي عليه، فالأمور الواقعة التي تؤلف الوضع القائم، أو الحالة الراهنة، حين ينظر إليها في ضوء العقل، تصبح سلبية محدودة عارضة، أي تصبح صورا زائلة داخل عملية شاملة تؤدي إلى تجاوزها.»

Bog aan la aqoon