Fahminta Fahminta
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Noocyada
غير أن بتي لا يوافق بلتمان فيما خلص إليه من أنه استنادا إلى تاريخية الفهم المسبق فإن فكرة إمكان الحصول على معرفة تاريخية موضوعية هي مجرد وهم يقع فيه التفكير الساعي إلى الموضعة، يقول بتي: «إن النص الذي يتناوله الفهم المسبق ويضفي عليه المعنى لم يوجد لمجرد أن يدعم لنا رأينا الذي نعتقده سلفا، وإنما ينبغي أن نفترض أن لدى النص شيئا يريد أن يقوله لنا، شيئا لا نعرفه منذ البداية من تلقاء أنفسنا، شيئا يوجد بمعزل عن عملية الفهم التي نقوم بها، ها هنا بالتحديد يتسلط الضوء على عبثية النظرة الذاتية، تلك التي تأثرت بوضوح بالفلسفة الوجودية المعاصرة والتي تريد أن تضم معا كلا من «التفسير/الشرح/التأويل»
Auslegung ، و«الفهم»
Sinngebung
دون تفرقة، فينتهي الأمر إلى أن تصبح موضوعية النتائج المستخلصة من عملية التأويل في الدراسات الإنسانية ككل محل شك وموضع ارتياب.»
4
هكذا مثلت انتقادات بتي لجادامر اعتراضا عنيفا ضد «الذاتية» الوجودية وضد تاريخية الفهم، وزعمت أن جادامر قد فشل في تقديم مناهج معيارية لتمييز التأويل الصحيح من التأويل الخطأ، وأنه كوم معا ومن غير تمييز حالات متباينة من التأويل، فالمؤرخ مثلا، كما يقول بتي، لا تهمه الصلة العملية بالحاضر بقدر ما يهمه أن يغمر نفسه، متأملا، في النص الذي يدرسه، بينما يقلب رجل القانون النص وفي ذهنه تطبيق عملي يعتزم اجتراحه في الحاضر، يترتب على ذلك أن عمليتي التأويل هنا مختلفتان في الطابع، ومن ثم فإن ما زعمه جادامر من أن كل تأويل يتضمن تطبيقا على الحاضر لا يصدق بحق إلا على التأويل القانوني دون التأويل التاريخي.
وقد قام جادامر بالرد على هذه الاعتراضات في خطاب بتي قائلا إنه، في «الحقيقة والمنهج» لا يقترح منهجا بل يحاول أن يصف ما هو كائن في عملية الفهم، يقول جادامر إنه يحاول أن يفكر خارج التصور العلمي الحديث عن «المنهج» وأن يتأمل في عمومية صريحة ما يجري دائما في عملية الفهم، غير أن هذا الرد لم يقنع بتي الذي أكد أن جادامر قد ضل في ذاتية وجودية بلا معايير، وفي مقدمة طبعة 1965م من «الحقيقة والمنهج» رد جادامر على بتي مرة ثانية مؤكدا هذه المرة على الصبغة غير الذاتية للفهم، ذلك أن المنعطف الأنطولوجي الذي خلقه كتابه (والذي استنكره بتي) أفضى بجادامر إلى أن ينظر إلى وظيفة «الوعي العامل تاريخيا» لا كعملية ذاتية بل كعملية أنطولوجية: «لم أقصد ببحثي على الإطلاق أن أقدم نظرية عامة في التأويل تشتمل على تمييزات تفسر المناهج المختلفة للأفرع البحثية الخاصة، كما فعل إميليو بتي بإجادة عظيمة، وإنما قصدت أن أستخلص ما هو قائم في جميع طرائق الفهم وأن أبين أن الفهم ليس بأية حال إجراء ذاتيا بإزاء «موضوع» معطى، بل الفهم ينتمي إلى «التاريخ العامل»
Wirkungsgeschichte
للشيء الموجود، وبالتالي لوجوده.»
نخلص مما سبق أننا أمام تصورين مختلفين غاية الاختلاف حول مجال الهرمنيوطيقا وغرضها، وحول الطابع الجوهري لهذا المبحث كحقل من حقول الدراسة، فالحق أن كلا من هذين المفكرين يتبنى تعريفا مختلفا للهرمنيوطيقا يرتكز على أساس فلسفي مختلف ويشيد الهرمنيوطيقا لكي تؤدي غرضا مختلفا، أما بتي
Bog aan la aqoon