Fahminta Fahminta

Cadil Mustafa d. 1450 AH
140

Fahminta Fahminta

فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر

Noocyada

والذي يكشف السلب الحقيقي الذي يتبطن كل تساؤل.

أن تسأل سؤالا أصيلا يعني أن «تقيم في العراء»؛ لأن الجواب لم يتحدد بعد، ومعنى أي سؤال إنما يدرك في المرور خلال هذه الحالة من عدم التحدد، التي يصبح فيها سؤالا مفتوحا لم يتم حسمه، وكل سؤال حقيقي يتطلب هذا الانفتاح، فبدون هذا الانفتاح يكون السؤال مجرد سؤال ظاهري، سؤال زائف، يترتب على ذلك أن السؤال التدريسي ليس سؤالا حقيقيا؛ لأنه سؤال بلا سائل! وأن السؤال الإنشائي ليس سؤالا حقيقيا؛ لأنه سؤال بلا سائل ولا موضوع! وهو سؤال بلا موضوع؛ لأن الشيء الذي يتحدث عنه السؤال ليس موضوعا حقا موضع تساؤل على الإطلاق.

16 «لكي يستطيع المرء أن يسأل فلا بد أن تكون لديه رغبة في أن يعرف، غير أن هذا يعني أنه يعرف أنه لا يعرف.» وعندما يعرف المرء أنه لا يعرف ثم يتحاشى، رغم ذلك، الاندفاع من خلال «المنهج» إلى افتراض أنه لا يلزمه إلا أن يفهم فهما أدق بالطريقة التي يعرفها سلفا، عندئذ فقط يكتسب بنية الانفتاح الذي يميز التساؤل الأصيل، وفي ذلك يقدم لنا سقراط النموذج بالتبادل المرح للسؤال والجواب، سابرا بذلك أغوار الموضوع نفسه بحثا عن منفذ صحيح إلى طبيعته الحقة.

على أن انفتاح التساؤل ليس انفتاحا مطلقا؛ لأن لكل سؤال دائما اتجاها معينا، ولأن معنى السؤال يتضمن سلفا الاتجاه الذي يتعين على الإجابة أن تأتي فيه إذا شاءت أن تكون ملاءمة وذات معنى، وأنت إذ تضع السؤال تكون قد وضعت الشيء الذي تسأل عنه في ضوء معين، تكون قد اقتحمت وجود الشيء وفتحته عنوة، التساؤل الحقيقي إذن يفترض الانفتاح (أي إن الجواب غير معروف) وفي الوقت نفسه يشير إلى اتجاه ويحدد حدودا.

هذه الظاهرة بطبيعة الحال تطرح مشكلة: كيف تسأل السؤال الصحيح؟ فمن الواضح أن منطلق السؤال قد يكون خطأ ومن ثم لا يؤتي معرفة حقيقية. يرى جادامر أن ليس هناك إلا سبيل واحد للظفر بالسؤال الصحيح، وهو الانغمار في الموضوع نفسه؛ ولذلك ف «الحوار الحقيقي هو نقيض الجدل أو المناظرة»، لأن «المجادل» بطبيعته يتمسك بالجواب الذي بدأ به، أما «المحاور» فهو لا يحاول أن يحرج الطرف الآخر، بل يختبر دعاواه في ضوء الموضوع نفسه، ونحن إذا أنعمنا النظر في محاورات أفلاطون عن الحب أو الأخلاق أو العدالة ... إلخ، نجد الحوار يتحرك في اتجاهات غير متوقعة؛ لأن المتحاورين في هذه المحاورات يقودهم انغماس عام في المسألة موضوع المناقشة، وحين يريد المرء أن يختبر دعاوى الشخص الآخر فهو لا يحاول أن يضعفها، بل على العكس يحاول أن يقويها، أي يحاول أن يجد نقاط قوتها الحقيقية في تناول الموضوع نفسه، هذا ما يجعل محاورات أفلاطون، في رأي جادامر، على أعلى درجة من الأهمية في زمننا المعاصر.

الموضوع العام الذي ينغمس فيه المرء (كل من المفسر والنص) في حالة الحوار التأويلي هو التراث أو الموروث، إلا أن الطرف الآخر في الحوار هو «النص»، ذلك الكيان المثبت تثبيتا عنيدا في الشكل المكتوب، لا بد إذن أن ترد الصبغة الثابتة إلى حركة الحوار، تلك الحركة التي بمقتضاها يحدث الأخذ والرد؛ فالنص يسأل المفسر والمفسر يسأل النص، هذه هي مهمة الهرمنيوطيقا: أن تخرج النص من غربته التي يجد نفسه فيها، من حيث هو شكل مكتوب ثابت، وترده إلى الحاضر الحي للحوار الذي يتقوم بالسؤال والجواب.

عندما يصلنا نص ويصبح موضوعا للتأويل فإنه يطرح على المؤول سؤالا يحاول المؤول أن يجيب عنه من خلال التأويل، ومن صفة التأويل الأصيل أن يربط نفسه بالسؤال الذي وضعه النص، أن تفهم النص يعني أن تفهم هذا السؤال، ولكي تفهم النص يلزمك أولا أن تفهم أفق المعنى أو أفق التساؤل الذي يتحدد داخله اتجاه المعنى.

غير أن النص هو خبر، تقرير

Assertion

فهو بمعنى ما جواب عن سؤال، لا السؤال الذي نطرحه نحن على النص، بل السؤال الذي يطرحه «موضوع النص»

Bog aan la aqoon