أخبرنا أبو الحسن محمد بن عوف، بقراءتي عليه، قال: (أبنا أبو علي الحسن بن منير بن محمد التنوخي، قال): أبنا أبو بكر محمد بن خريم، قال: أبنا أبو الوليد هشام بن عمار، قال: ثنا أبو الحسن الهيثم بن عمران العبسي، قال: سمعت جدي يقول: لما ولي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- زار أهل الشام فنزل الجابية، وكانت دمشق تسعر طاعونا، فهم أن يدخلها، فقال له أصحابه: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حل بكم الطاعون فلا تهربوا منه، ولا تأتوه حيث هو)). وقد علمت أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم الذين معك فرحانون لم يصبهم طاعون قط. فأرسل عند ذلك رجل من جديلة إلى بيت المقدس ولم يدخلها هو، فافتتحها صلحا، ثم أتاها عمر ومعه كعب فقال: يا أبا إسحاق، الصخرة أتعرف موضعها؟ قال: أذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم، كذا وكذا ذراعا، وهي مزبلة، ثم احفر فإنك ستجدها. فحفروها فظهرت لهم، فقال عمر لكعب: أين ترى أن نجعل المسجد؟ قال: اجعله خلف الصخرة، فتجمع القبلتين، قبلة موسى وقبلة محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: ضاهيت اليهود والله يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها. فبناه مقدم المسجد.
فبلغ أهل العراق أنه زار أهل الشام، فكتبوا يسألونه أن يزورهم كما زار أهل الشام، فهم أن يفعل، فقال كعب: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تدخلها. قال: لم؟ قال: فيها عصاة الجن، وهاروت وماروت يعلمان الناس السحر، وفيها تسعة أعشار الشر، وكل داء عضال. فقال له عمر: قد فهمت كل ما قلت غير الداء المعضل، ما هو؟ قال: كثرة المال، وهو الداء الذي ليس له شفاء. فلم يأتها عمر.
Bogga 65