بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، من الآن إلى يوم الدين. حدثني الشيخ الفقيه (أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي) قال حدثني الشيح محمد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الدارمي، وقد رواه كثير من الأصحاب حتى انتهى إلى أبي جعفر ميثم التمار قال بينما نحن بين يدي مولانا علي بن أبي طالب (ع) بالكوفة وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله محدقون به كأنه البدر في تمامه بين الكواكب في السماء الصاحية إذ دخل عليه من الباب رجل طويل علية قباء خز أدكن متعمم بعمامة أتحمية صفراء وهو مقلد بسيفين فدخل من غير سلام ولم ينطق بكلام فتطاول الناس بالأعناق ونظروا إليه بالآماق وشخصوا إليه بالأحداق ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لا يرفع رأسه إليه فلما هدأت من الناس الحواس فحينئذ أفصح عن لسانه كأنه حسام جذب من غمده، ثم قال أيكم المجتبى في الشجاعة، والمعمم بالبراعة، والمدرع بالقناعة، أيكم المولود في الحرم، والعالي في الشيم، والموصوف بالكرم؟
Bogga 2
أيكم الأصلع الرأس، والثابت الأساس، والبطل الدعاس، والآخذ بالقصاص، والمضيق للأنفاس؟ أيكم غصن أبي طالب الرطيب، وبطله المهيب، والسهم المصيب والقسم والنجيب؟ أيكم خليفة محمد صلى الله عليه وآله الذي نصر به في زمانه، وعز به سلطانه، وعظم به شأنه؟ أيكم قاتل العمرين وآسر العمرين، فعند ذلك رفع أمير المؤمنين * ع * رأسه إليه فقال له * ع * يا مالك يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة ابن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن الأشعث بن السميمع الدوسي سل عما بدا لك؟ فانا كنز الملهوف وأنا الموصوف بالمعروف أنا الذي أفرعتني الصم الصلاب، وأنا المنعوت في كل كتاب، أنا الطود والأسباب انا ق والقرآن المجيد، وأنا النبأ العظيم أنا الصراط المستقيم، أنا علي مواخي رسول الله صلى الله عليه وآله وزوج ابنته ووارث علمه وعيبة حكمته والخليفة من بعده فقال الاعرابي بلغنا عنك انك معجز النبي صلى الله عليه وآله والامام الولي ليس لك مطاول فيطاولك، ولا ممانع فيصاولك، أهو كما بلغنا عنك يا فتى قومه؟ قال علي (ع) قال ما بدا لك؟ فقال إني رسول إليك من ستين ألف رجل يقال لهم (العقيمية) وقد حملوا معي رجلا ميتا قد مات منذ مدة وقد اختلف في سبب موته وهو على باب المسجد فان أحييته علمنا إنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله صادق نجيب الأصل وتحققنا إنك حجة الله في أرضه، وخليفة في عباده وان لم تقدر على ذلك رددته على قومه وعلمنا انك تدعي غير الصواب وتظهر من نفسك مالا تقدر عليه.
فقال أمير المؤمنين (ع) يا أبا جعفر (وهو ميثم التمار) اركب بعيرا وطف في شوارع الكوفة ومحلاتها وناد من أراد ان ينظر إلى ما اعطى الله عليا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله بعل فاطمة (ع) مما أوعه رسول الله من العلم فيه فليخرج إلى النجف غدا فهرع الناس إلى النجف فلما رجع
Bogga 3
ميثم من النداء قال له علي (ع) خذ الاعرابي إلى ضيافتك فغداة غد سيأتيك الله بالفرج قال ميثم فأخذت الاعرابي ومعه محمل فيه ميت فأنزلته منزلي وأخدمته أهلي فلما صلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الفجر خرج وخرجت معه ولم يبق في الكوفة بر ولا فاجر إلا وخرج إلى النجف فقال (ع) يا أبا جعفر علي بالاعرابي وصاحبه الميت فخرجت من عنده وإذا أنا بالاعرابي وهو راجل تحت القبة التي فيها الميت فاتى بها إلى النجف فعند ذلك قال (ع) يا أهل الكوفة قولوا فينا ما ترونه وارووا عنا ما تسمعونه وأوردوا ما تشاهدونه منا ثم قال يا اعرابي ابرك جملك واخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين قال ميثم فاخرج تابوتا من الساج وفيه من قصب وطاء ديباج فحله وإذا تحته بدرة من اللؤلؤ وفيها غلام قد تم عذاره بذوائب كذوائب المرأة الحسناء فقال عليه السلام يا اعرابي كم لميتك هذا فقال أحد وأربعون يوما فقال ما كان سبب موته فقال الاعرابي يا فتى أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله فيعلموه لأنه بات سالما وأصبح مذبوحا من الاذن إلى الاذن فقال له (ع) من يطلب بدمه؟ قال خمسون رجلا من قومه يعضد بعضهم بعضا في طلب دمه فاكشف الشك والريب يا أخا رسول الله فقال * ع * هذا الميت قتله عمه لأنه تزوج ابنته فخلاها وتزوج غيرها فقتله حنقا عليه فقال الاعرابي لسنا نرضى بقولك وإنما نريد ان يشهد هذا الغلام بنفسه عند أهله من قتله حتى لا يقع بينهم السيف والفتنة والقتال فعند ذلك قام علي * ع * فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه ثم قال يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجل من علي أخي رسول الله * ص * وانها أحيت ميتا بعد سبعة أيام ثم دنا من الميت فقال إن بقرة بني إسرائيل ضرب بعضها الميت فعاش وانا اضربه ببعضي فان بعضي عند الله خير من البقرة كلها ثم هزه برجله اليمني وقال قم بإذن الله تعالى يا مدرك بن حنضلة بن غسان بن يحيى بن سلامة ابن الطبيب
Bogga 4
ابن الأشعث فها قد أحياك الله تعالى على يدي علي بن أبي طالب قال ميثم التمار فنهض غلام أحسن من الشمس أوصافا ومن القمر اضعافا وقال لبيك لبيك يا حجة الله تعالى على الأنام والمتفرد بالفضل والانعام فقال له علي (ع) من قاتلك فقال قاتلي عمي الحاسد حبيب بن غسان فقال أمير المؤمنين (ع) انطلق إلى أهلك يا غلام قال لا حاجة بي إلى أهلي فقال أمير المؤمنين (ع) ولم قال أخاف ان اقتل ثانية ولا تكون أنت فمن يحييني فالتفت الإمام (ع) إلى الاعرابي وقال امض أنت إلى أهلك وأخبرهم بما رأيت فقال الاعرابي وانا أيضا قد اخترت المقام معك إلى أن يأتي الاجل فلعن الله تعالى من اتجه له الحق ووضح وجعل بينه وبين الحق سترا فأقاما مع علي (ع) إلى أن قتلا معه بصفين وسار أهل الكوفة إلى منازلهم واختلفوا في أقاويلهم فيه (ع) (خبر آخر) عن ابن عباس (رض) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول أعطاني الله تعالى خمسا وأعطى عليا (ع) خمسا أعطاني جوامع الكلم وأعطى عليا جوامع العلم وجعلني نبيا وجعله وصيا وأعطاني الكوثر وأعطاه السلسبيل وأعطاني الوحي واعطاء الالهام وأسرى بي إليه وفتح له أبواب السماوات والحجب حتى نظر إلي ونظرت إليه قال ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت له ما يبكيك يا رسول الله فداك أبي وأمي قال يا بن عباس ان أول ما كلمني به ربى قال يا محمد انظر تحتك فنطرت إلى الحجب قد انحرقت وإلى أبواب السماء قد انفتحت ونظرت إلى علي وهو رافع رأسه إلي فكلمني وكلمته وكلمني ربي عز وجل قال فقلت يا رسول الله بما كلمك ربك قال: قال لي يا محمد إني جعلت عليا وصيك ووزيرك وخليفتك من بعدك فاعلمه فها هو يسمع كلامك فأعلمته وأنا بين يدي ربي عز وجل فقال لي قد قبلت وأطعت فأمر الله تعالى الملائكة يتباشرون به وما مررت بملا من ملائكة السماوات إلا هنأوني وقالوا يا محمد والذي بعثك بالحق نبيا لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله عز وجل ابن عمك ورأيت حملة
Bogga 5
العرش قد نكسوا رؤسهم إلى الأرض فقلت يا جبرئيل لم نكس حملة العرش رؤوسهم قال يا محمد ما من ملك من الملائكة إلا وقد نظر إلى وجه علي بن أبي طالب عليه السلام استبشارا به ما خلا حملة العرش فإنهم استأذنوا الله عز وجل في هذه الساعة فاذن لهم فنظروا إلى علي بن أبي طالب (ع) فلما هبطت جعلت اخبره بذلك وهو يخبرني به فعلمت انى لم أطأ موطئا إلا وقد كشف لعلى عنه حتى نظر إليه فقال ابن عباس (رض) فقلت يا رسول الله أوصني فقال: عليك بمودة علي بن أبي طالب (ع) والذي بعثني بالحق نبيا لا يقبل الله تعالى من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب * ع * وهو بقول اعلم فمن مات على ولايته قبل عمله ما كان منه وان لم يأت بولايته لا يقبل من عمله شئ ثم يؤمر به إلى النار يا بن عباس والذي بعثني بالحق نبيا ان النار لأشد غضبا على مبغض على * ع * منها على من زعم أن لله ولدا، يا بن عباس لو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين اجتمعوا على بغض علي بن أبي طالب مع ما يقع من عبادتهم في السماوات لعذبهم الله تعالى في النار قلت يا رسول الله وهل يبغضه أحد؟ قال: يا بن عباس نعم يبغضه قوم يذكر من أنهم من أمتي لم يجعل الله لهم في الاسلام نصيبا، يا ابن عباس ان من علامة بغضهم له تفضيلهم لمن هو دونه عليه، والذي بعثني بالحق نبيا ما بعث الله نبيا أكرم عليه منى ولا وصيا أكرم عليه من وصيي.
قال ابن عباس فلم أزل له كما امرني رسول الله * ص * وأوصاني بمودته وانه لأكبر عملي عندي قال ابن عباس: ثم مضى من الزمان ما مضى وحضرت رسول الله * ص * الوفاة فقلت فداك أبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد دنا اجلك فما تأمرني؟ قال: يا ابن عباس خالف من خالف عليا ولا تكونن لهم ظهيرا ولا وليا. قلت: يا رسول الله ولم لا تأمر الناس بترك مخالفته؟ قال فبكى صلى الله عليه وآله ثم قال: يا ابن عباس سبق فيهم علم ربي والذي بعثني بالحق نبيا لا يخرج أحد ممن خالفه من الدنيا وأنكر حقه
Bogga 6
حتى يغير الله تعالى ما به من نعمة، يا ابن عباس إذا أردت ان تلقى الله تعالى وهو عنك راض فاسلك طريقة علي بن أبي طالب عليه السلام ومل معه حيث مال، ارض به إماما وعاد من عاداه ووال من والاه، يا بن عباس حذر من أن يدخلك شك فيه فان الشك في علي كفر بالله تعالى (خبر آخر) عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن الباقر (ع) عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رض) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان جبرئيل (ع) نزل علي وقال يا محمد ان الله تعالى يأمرك ان تقوم بتفضيل علي بن أبي طالب (ع) خطيبا على المنبر ليبلغوا من بعدهم ذلك عنك، ويأمر جميع الملائكة ان يسمعوا ما تذكره والله يوحي إليك يا محمد ان من خالفك في امرك فله النار، ومن أطاعك فله الجنة. فأمر النبي صلى الله عليه وآله مناديا نادى بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس وخرج النبي صلى الله عليه وآله ورقى المنبر وكان أول ما تكلم به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال صلى الله عليه وآله أيها الناس: انا البشير انا النذير انا النبي الأمي وانا مبلغكم عن الله عز وجل في رجل لحمه لحمي ودمه دمي وهو عيبة علمي وهو الذي انتخبه الله تعالى من هذه الأمة واصطفاه وهذبه وتولاه وخلقني وإياه من نور واحد وفضلني بالرسالة وفضله بالإمامة والتبليغ عنى، وجعلني مدينة العلم وجعله الباب خازن العلم والمفتش منه الاحكام، وخصه بالوصية وبا أن أمره وخوف من عدوانه وازلف لمن والاه وغفر لشيعته وأمر الناس جميعا بطاعته، وانه عز وجل ويقول من عاداه عاداني ومن والاه والاني ومن آذاه آذاني ومن ناصبه ناصبني ومن خالفه خالفني ومن أبغضه أبغضني ومن أحبه أحبني ومن اراده أرادني ومن كاده كادني ومن نصره نصرني، أيها الناس اسمعوا لما آمركم به وأطيعوه فانا أخوفكم عقاب الله تعالى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه، ثم اخذ بيد علي بن أبي طالب (ع)
Bogga 7
وقال: معاشر الناس هذا مولى المؤمنين وحجة الله على الخلق أجمعين اللهم إني قد بلغت وهم عبادك وأنت القادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا ارحم الراحمين استغفر الله لي ولكم. ثم نزل عن المنبر فاتاه جبرئيل (ع) فقال يا محمد ان الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك جزاك الله تعالى عن تبليغك خيرا فقد بلغت رسالات ربك ونصحت لامتك وأرضيت المؤمنين وأرغمت الكافرين، يا محمد إن ابن عمك مبتلى ومبتلى به، يا محمد قل في كل أوقاتك الحمد الله رب العالمين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والحمد لله حق حمده.
(خبر آخر) عن جابر بن يزيد الجعفي قال خدمت سيدنا الإمام علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وودعته وقلت أفدني فقال: يا جابر بلغ شيعتي منى السلام وأعلمهم انه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل ولا يقترب إليه إلا بالطاعة له، يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا ومن عصى الله لم ينفعه حبنا ومن أحبنا وأحب عدونا فهو في النار، يا جابر من هذا الذي سأل الله تعالى فلم يعطه، وتوكل عليه فلم يكفه، ووثق به فلم ينجه، يا جابر انزل الدنيا منك كمنزله نزلته فان الدنيا للتحويل عنها، وهل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت وأنت على فراشك، هي عند ذوي الألباب كفئ الظلال، لا إله إلا الله اعذار لأهل دعوة الاسلام، والصلاة تثبيت للاخلاص وتنزيه عن الكبر، والزكاة تزويد في الرزق، والصيام والحج لتسكين القلوب، والقصاص والحدود لحقن الدماء، فان أهل البيت نظام الدين جعلنا الله وإياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.
(ومما قاله النبي صلى الله عليه وآله في فضل علي وأهل بيته) عن ابن عباس (رض) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا إذا اقبل الحسن (ع) فلما رآه بكى ثم قال: إلي إلي يا بنى فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيمن، ثم اقبل الحسين (ع) فلما رآه بكي ثم قال إلي إلي يا بني فما زال
Bogga 8
يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيسر، ثم أقبلت فاطمة (ع) فلما رآها بكى ثم قال إلي إلي يا بنية فما زال يدنيها حتى أجلسها بين يديه، ثم اقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فلما رآه بكى ثم قال إلي إلي يا أخي فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبيه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى أحدا من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته؟ فقال صلى الله عليه وآله:
والذي بعثني بالحق نبيا وبشيرا ونذيرا واصطفاني على جميع البرية اني وإياهم لاكرم الخلق على الله عز وجل وما على وجه الأرض نسمة أحب إلى منهم، اما علي بن أبي طالب (ع) فإنه أخي وشقيقي وصاحب الامر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة وصاحب حوضي وشفاعتي وهو مولى كل مؤمن وقائد كل تقي وهو وصيي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد مماتي محبه محبي ومبغضه مبغضي وبولايته صارت أمتي مرحومة وبعد وفاتي صارت بالمخالفة له ملعونة فانى بكيت حين اقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى أنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله بعدي له ثم لا يزال الامر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور وهو شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، واما ابنتي فاطمة (ع) فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وهي بضعة منى وهي نور عيني وثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي وهي الحوراء الانسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها للملائكة في السماء كما يزهر الكواكب لأهل الأرض فيقول الله عز وجل للملائكة يا ملائكتي انظروا أمتي فاطمة سيدة نساء خلقي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم اني قد آمنت شيعتها من النار، وانى لما رأيتها تذكرت ما يصنع بها بعدي وكأني بها وقد دخل عليها الذل في بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت ارثها وكسر جنبها وسقط جنينها وهي تنادي وا محمداه فلا تجاب وتستغيث
Bogga 9
فلا تغاث فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتذكر فراقي أخرى وتستوحش إذا جنها الليل لفقدي وفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ثم ترى ذليلة بعد أن كانت عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بملائكة فتناديها بمناداة مريم ابنة عمران يا فاطمة ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض ويبعث الله عز وجل إليها مريم ابنة عمران فتمرضها وتؤنسها في علتها فتقول عند ذلك يا رب انى قد سأمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله عز وجل فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة معصوبة مقتولة فأقول عند ذلك اللهم العن ظالمها وعاقب من غصبها حقها وأذل من أذلها وخلد في النار من ضربها على جنبها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين (واما الحسن) فإنه ابني وولدي ومني وقرة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي وهو سيد شباب أهل الجنة وحجة الله تعالى على الأئمة امره أمري وقوله قولي فمن تبعه فإنه منى ومن عصاه فليس مني وإني نظرت إليه فذكرت ما يجرى عليه من الذل بعدي فلا يزال الامر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد بموته ويبكيه كل شئ حتى الطير في جو السماء والحيتان في جوف الماء فمن بكاه لم تعم عيناه يوم تعمى الأعين ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ومن زاره في البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم تزل فيه الاقدام (واما الحسين) فإنه منى وهو ابني وولدي وخير الخلق بعد أخيه وهو امام المسلمين ومولى المؤمنين وخليفة رب العالمين وكهف المتحيرين وحجة الله تعالى على الخلق أجمعين وهو سيد شباب أهل الجنة وباب نجاة الأمة امره امرى وطاعته طاعتي ومن تبعه فإنه منى ومن عصاه فليس منى وانى لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي
Bogga 10
وكأني به وقد استجار بحرمي فلا يجار فأضمه في منامي إلى صدري وآمره بالرحلة من دار هجرتي فأبشره بالشهادة فيرتحل إلى ارض مقتله وموضع مصرعه لأرض كرب وبلاء وقتل وفناء فتنصره عصابة من المسلمين أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة وكأني انظر إليه وقد رمي بسهم فخر من فرسه صريعا ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قال صلى الله عليه وآله ويقول اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي ثم قال صلى الله عليه وآله إذا كان يوم القيامة يزين العرش بكل زينه ثم يوتى بمنبرين من نور طولهما مائة ميل فيوضع أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يسار العرش ثم يؤتى بالحسن والحسين عليهما السلام فيقوم الحسن (ع) على أحدهما والحسين (ع) على الآخر يزين الرب تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزين المرأة قرطاها ثم قال صلى الله عليه وآله إذا كان يوم القيامة تأتى ابنتي فاطمة (ع) على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطامها من اللؤلؤ الرطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر عيناها من ياقوت احمر عليها قبة من نور يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها وباطنها من عفو الله وظاهرها من رحمة الله على رأسها تاج من نور وللتاج سبعون ركنا كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضئ لأهل الجنة كما يضئ الكوكب الدري في أفق السماء عن يمينها سبعون الف ملك وجبرئيل آخذ بخطام الناقة وهو ينادى بأعلى صوته يا أهل الموقف غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يبقى يومئذ نبي ولا كريم ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين فتجوز حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزل بنفسها عن ناقتها فتقول إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني واحكم بيني وبين من قتل ولدى فإذا النداء من قبل الله تعالى يا حبيبتي وبنت حبيبي سلي تعطي واشفعي تشفعي وعزتي وجلالي لأجاوزن ظلم ظالم فتقول يا إلهي
Bogga 11
ذريتي وشيعة ذريتي ومحبي ذريتي فإذا النداء من قبل الله عز وجل أين ذرية فاطمة وشيعتها وشيعة ذريتها ومحبوا ذريتها فيقبلون وقد أحاطوا بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة وصلى الله عليها وعلى أبيها.
(خبر آخر) قال سماعة بن مهران ان الصادق (ع) قال له يا سماعة من شر الناس قال نحن يا بن رسول الله قال فغضب (ع) حتى احمرت وجنتاه ثم استوى جالسا وكان متكئا وقال يا سماعة من شر الناس عند الناس فقلت والله ما كذبتك يا ابن رسول الله نحن شر الناس لأنهم سمونا كفار أو رفضة فنظر إلي ثم قال كيف بكم وبهم إذا سيق بكم إلى الجنة وسيق بهم إلى النار فينظرون إليكم فيقولون مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار، يا ابن مهران انه من أساء منكم إساءة مشينا إلى الله تعالى بأقدامنا يوم القيامة فنشفع فيه، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، ولا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدرجات وأكدوا عدوكم المفزع.
(حديث مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله قال الواقدي: أول ما افتتح به عقيل ابن أبي وقاص حين خطب آمنة لعبد الله بن عبد المطلب ان قال (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم ومن شجرة إسماعيل من غصن نزال ومن ثمرة عبد مناف) ثم اثنى على الله تعالى ثناء بليغا وقال فيه جميلا واثنى على اللات والعزة ومناة وذكرهم بالجميل وقال لا يستغني عنكم مع هذا كله وعقد النكاح ونظر إلى وهب وقال يا أبا الوداح زوجت كريمتك آمنة من ابن سيدنا عبد المطلب على صداق أربعة آلاف درهم بيض هجرية جياد وخمسمائة مثقال ذهب احمر، قال نعم ثم قال يا عبد الله قبلت بهذا الصداق يا أيها السيد الخاطب، قال نعم ثم دعا لهما بالخير والكرامة ثم أمر وهب أن تقدم المائدة فقدمت مائدة خضرة فاتى من الطعام الحار والبارد والحلو والحامض فأكلوا وشربوا قال ونثر عبد المطلب على ولده قيمة الف
Bogga 12
درهم من النثار وكان متخذا من مسك بنادق ومن عنبر ومن سكر ومن كافور ونثر ذهب بقيمة ألف درهم عنبر وفرح الخلق بذلك شديدا.
(قال الواقدي) فلما فرغوا من ذلك نظر عبد المطلب إلى وهب وقال ورب السماء انى لا أفارق هذا السقف أو أؤلف بين ولدي عبد الله وحليلته فقال وهب بهذه السرعة لا يكون فقال عبد المطلب لابد من ذلك فقام وهب ودخل على امرأته برة وقال لها اعلمي ان عبد المطلب قد حلف برب السماء انه لا يفارق هذا السقف أو يؤلف بين ولده عبد الله وبين زوجته آمنة فقامت المرأة من وقتها ودعت بعشرة من المشاطات وأمرتهن ان يأخذ في زينة آمنة فقعدن حول آمنة فواحدة منهن تنقش يديها وواحدة تخضب رجليها وواحدة تسرح ذوائبها ووحدة تمسحها بالملاء فلما كان عند غروب الشمس وفرغن من زينتها نصبوا سريرا من الخيزران وقد فرشوا عليه من ألوان الديباج والوشي وأقعدت الجارية على السرير وعقدن على رأسها تاجا وعلى جبينها إكليلا وعلى عنقها مخانق الدر والجواهر وتختمت بأنواع الخواتيم وجاء وهب وقال لعبد المطلب يا سيدي قم إلى العروس فقام عبد المطلب إلى العروس وهي كأنها فلقة قمر من حسنها وتقدم عبد المطلب إلى السرير وقبله وقبل عين العروس فقام عبد المطلب لولده عبد الله اجلس يا ولدي معها على السرير وافرح برؤيتها قال فرفع عبد الله قدمه وصعد إلى السرير وقعد إلى جنب العروس وفرح عبد الله وكان من عبد الله إلى أهله ما يكون من الرجال إلى النساء فواقعها فحملت بسيد المرسلين وخاتم النبيين وقام من عندها إلى عند أبيه فنظر إليه أبوه وإذا النور قد فارق من بين عينيه وبقى عليه من اثر النور كالدرهم الصحيح وذهب النور إلى ثدي آمنة فقام عبد المطلب إلى عند آمنة ونظر إلى وجهها فلم يكن النور كما كان في عبد الله بل انور فذهب عبد المطلب إلى عند حبيب الراهب فسأله عن ذلك فقال حبيب اعلم أن هذا النور هو صاحب النور بعينه وصار في بطن أمه فقام عبد المطلب وخرج مع
Bogga 13
الرجل وبقى عبد الله عند أهله إلى أن ذهبت الصفرة من يديه وذلك أن العرب كانوا إذا دخلوا بأهلهم يخضبون أيديهم بالحناء ولا يخرجون من عندهم وعلى أيديهم اثر من الحناء فبقي عبد الله أربعين يوما وخرج ونظر أهل مكة إلى عبد الله والنور قد فارق موضعه فرجع عبد المطلب من عند حبيب وقد أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله شهر واحد في بطن أمه ونادت الجبال بعضها بعضا والأشجار بعضها بعضا والسماوات بعضها يستبشرون ويقولون ألا ان محمدا قد وقع في رحم أمه آمنة وقد أتى عليه شهر ففرحت بذلك الجبال والبحار والسماوات والأرضون فرحا برسول الله صلى الله عليه وآله ثم إن الله تعالى أراد قضاه على فاطمة بنت عبد المطلب فورد عليه كتاب من يثرب يموت فاطمة وكان في الكتاب انها ورثت مالا كثيرا خطيرا فاخرج إلى عندهم بأسرع ما تقدر عليه قال عبد المطلب لولده عبد الله يا ولدي لا بد لك ان تجي معي إلى المدينة فسافر مع أبيه ودخلا مدينة يثرب وقبض عبد المطلب المال ولما انتهيا من دخولهما المدينة بعشر أيام اعتل عبد الله علة شديدة وبقى خمسة عشر يوما فلما كان يوم السادس عشر مات عبد الله فبكى عليه أبوه عبد المطلب بكاء شديدا وشق سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطلب وإذا بهاتف يهتف ويقول قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفس لا تموت فقام عبد المطلب فغسله وكفنه في سكة يقال لها (شين) وبنى على قبره قبة عظيمة من جص وآجر واحكمه ورجع إلى مكة واستقبله رؤساء قريش وبنو هاشم واتصل الخبر إلى آمنة بوفاة زوجها فبكت ونفشت شعرها وخدشت وجهها ومزقت جيبها ودعت بالنايحات ينحن على عبد الله فجاء بعد ذلك عبد المطلب إلى دار آمنة وطيب قلبها ووهب لها في ذلك الوقت ألف درهم بيض وتاجين قد اتخذهما عبد مناف لبعض بناته وقال لها يا آمنة لا تحزني فإنك عندي جليلة لأجل من في بطنك فلا يهمك امرك فسكتت وطيب قلبها.
Bogga 14
(قال) الواقدي فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه شهران أمر الله تعالى مناديا في سماواته وارضه ينادى في السماوات والأرض والملائكة ان استغفروا لمحمد صلى الله عليه وآله وأمته كل هذا ببركة النبي صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه ثلاثة أشهر كان أبو قحافة راجعا من الشام فلما بلغ قريبا من مكة وضعت ناقته جمجمتها على الأرض ساجدة وكان بيد أبي قحافة قضيب فضربها بأوجع ضرب فلم ترفع رأسها فقال أبو قحافة فما أرى ناقة تركت صاحبها وإذا بهاتف يهتف ويقول لا تضرب يا أبا قحافة من لا يطيعك الا ترى ان الجبال والبحار والأشجار سوى الآدميين سجدوا لله فقال أبو قحافة يا هاتف وما السبب في ذلك قال اعلم أن النبي الأمي قد اتى عليه في بطن أمه ثلاثة أشهر قال أبو قحافة ومتى يكون خروجه قال سترى يا أبا قحافة إن شاء الله تعالى فالويل كل الويل لعبدة الأصنام من سيفه وسيف أصحابه، قال أبو قحافة فوقفت ساعة حتى رفعت الناقة رأسها فركبتها وجئت إلى عبد المطلب.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أشهر كان زاهد على الطريق من الطائف وكان له صومعة بمكة على مرحلة قال فخرج الزاهد وكان اسمه حبيبا فجاء إلى بعض أصدقائه بمكة فلما بلغ أرض الموقف وإذا بصبي قد وضع جبينه على الأرض وقد سجد على جبهته قال حبيب فدنوت منه فاخذته وإذا بهاتف يهتف ويقول خل عنه يا حبيب ألا ترى إلى الخلائق من البر والبحر والسهل والجبل قد سجدوا لله شكرا لما اتى على النبي الزكي الرضي المرضي في بطن أمه خمسة أشهر وهذا الصبي قد سجد لله شكرا قال حبيب فتركت الصبي ودخلت مكة وبينت ذلك لعبد المطلب وعبد المطلب يقول اكتم هذا الاسم فان لهذا الاسم أعداء قال وذهب حبيب إلى صومعته فإذا الصومعة تهتز ولا تستقر وإذا على محرابه مكتوب وعلى محراب كل راهب مكتوب يا أهل البيع و الصوامع آمنوا بالله وبرسوله محمد بن عبد فقد آن
Bogga 15
خروجه فطوبى ثم طوبى لمن آمن به والويل كل الويل لمن كفر به ورد عليه حرفا مما يأتي به من عند ربه قال حبيب فقلت السمع والطاعة انى لمؤمن وطائع غير منكر.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله في بطن أمه ستة أشهر خرج أهل المدينة واليمن إلى العيد وكان رسمهم انهم كانوا يجعلون في كل سنة ستة أعياد وكانوا يذهبون عند شجرة عظيمة يقال لها ذات أنواط وهي التي سماها الله في كتابه ومناة الثالثة الأخرى فذهبوا في ذلك العيد واكلوا وشربوا وفرحوا وتقاربوا من الشجرة وإذا بصيحة عظيمة من وسط الشجرة وهو هاتف يقول (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله) الآية وقال يا أهل اليمن ويا أهل اليمامة ويا أهل البحرين ويا من عبد الأصنام ويا من سجد للأوثان جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا يا قوم قد جاءكم الهلاك قد جاءكم التلف قد جاءكم الويل والثبور قال ففزعوا من ذلك وانهزموا راجعين إلى منازلهم متحيرين متعجبين من ذلك.
(قال الواقدي) فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه سبعة أشهر جاء سواد بن قارب إلى عبد المطلب فقال له اعلم يا أبا الحارث اني كنت البارحة بين النوم واليقظة فرأيت أبواب السماء مفتحة ورأيت الملائكة ينزلون إلى الأرض معهم ألوان الثياب يقولون زينوا الأرض فقد قرب خروج من اسمه محمد وهو نافلة عبد المطلب رسول الله إلى الأرض وإلى الأسود والأحمر والأصفر والى الصغير والكبير والذكر والأنثى صاحب السيف القاطع والسهم النافذ فقلت لبعض الملائكة من هذا الذي تزعمون فقال ويحك هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فهذا ما رأيت فقال له عبد المطلب اكتم الرؤيا ولا تخبر بها أحدا لننظر ما يكون.
(قال الواقدي) فلما أتى على النبي صلى الله عليه وآله في بطن أمة ثمانية أشهر كان في بحر الهوى حوت يقال له طينوسا وهي سيدة الحيتان فتحركت
Bogga 16
الحيتان وتحركت الحوت واستوت على ذنبها وارتفعت وارتفع الموج عنها فقالت الملائكة إلهنا وسيدنا ترى ما تفعل طينوسا ولا تطيعنا وليس لنا بها قوة (قال) فصاح استحيائيل الملك صيحة عظيمة وقال لها قرى يا طينوسا ألا تعرفين من تحتك فقالت طينوسا يا استحيائيل أمر ربي يوم خلقني ان إذا ولد محمد بن عبد الله استغفري له ولامته والآن سمعت الملائكة يبشر بعضهم بعضا فلذلك قمت وتحركت فناداها استحيائيل قرى واستغفري فان محمدا قد ولد فلذلك انبطحت في البحر وأخذت في التسبيح والتهليل والتكبير والثناء على رب العالمين.
(قال الواقدي) فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه تسعة أشهر أوحى الله إلى الملائكة في كل سماء ان اهبطوا إلى الأرض فهبط عشرة آلاف ملك بيد كل ملك قنديل يشتعل بالنور بلا دهن مكتوب على كل قنديل لا إله إلا الله محمد رسول الله يقرأه كل عربي كاتب ووقفوا حول مكة في المفارز وإذا بهاتف يهتف ويقول نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله قال فاورد الخبر إلى عبد المطلب فامر بكتمانه إلى أن يكون.
(قال) الواقدي فلما كملت تسعة أشهر لرسول الله صلى الله عليه وآله صار لا يستقر كوكب في السماء إلا ينتقل من موضع إلى موضع يبشرون بعضهم بعضا والناس ينظرون إلى الكواكب في السماء سائرات لا يستقرن فأقام ذلك ثلاثين يوما.
(قال الواقدي) فلما تم لرسول الله صلى الله عليه وآله تسعة أشهر نظرت أم رسول الله صلى الله عليه وآله آمنة إلى أمها برة وقالت يا أماه اني أحب ان ادخل البيت فأبكى على زوجي ساعة وأقطر دمعي على شبابه وحسن وجهه فإذا دخلت البيت وحدي فلا يدخل علي أحد فقالت لها برة ادخلي يا آمنة وابكي فحق لك البكاء قال فدخلت آمنة البيت وحدها وقعت وبكت وبين يديها شمع يشتعل وبيدها مغزل من آبنوس وعلى مغزلها فلقة من عقيق أحمر وآمنة
Bogga 17
تبكي وتنوح إذ أوجعت من طلقها فوثبت إلى الباب لتفتحه فلم ينفتح فرجعت إلى مكانها وقالت وا وحدتاه وأخذها الطلق والنفاس وما شعرت بشئ حتى انشق السقف ونزلت من فوق أربع حوريات وأضاء البيت لنور وجوههن وقلن لآمنة لا بأس عليك يا جارية انا جئناك لخدمتك فلا يهمك امرك وقعدت الحوريات واحدة على يمينها وواحدة على شمالها وواحدة بين يديها وواحدة من ورائها فهومت عين آمنة وغفت غفوة (قال) ابن عباس ما كان من أمر أم النبي إلا انها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها فانتبهت أم النبي صلى الله عليه وآله فإذا النبي صلى الله عليه وآله تحت ذيلها قد وضع جبينه على الأرض ساجدا لله ورفع سبابتيه مشيرا بهما لا إله إلا الله. (قال) الواقدي ولد رسول الله صلى الله عليه وآله في ليلة الجمعة قبل طلوع الفجر في شهر ربيع الأول ليلة سبعة عشر منه في سنة تسعة آلاف وتسعمائة وأربعة أشهر وسبعة أيام من وفاة آدم (ع) (قال) الواقدي ونظرت أمه آمنة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا هو مكحل العينين منقط الجبين والذقن واشرق في وجنتي النبي صلى الله عليه وآله نور ساطع في ظلمة الليل ومر في سقف البيت وشق السقف ورأت آمنة من نور وجهه صلى الله عليه وآله كل منظر حسن وقصر بالحرم وسقط في تلك الليلة أربع وعشرون شرفة من إيوان كسرى وأخمدت في تلك الليلة نيران فارس وأبرق في تلك الليلة برق ساطع في كل بيت وغرفة في الدنيا مما قد علم الله تعالى وسبق في علمه انهم يؤمنون بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله ولم يطلع في بقاع الكفر بأمر الله تعالى وما بقي في مشارق الأرض ومغاربها صنم ولا وثن إلا وخرت على وجوهها ساقطة على جباهها خاشعة وذلك كله اجلالا للنبي صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) فلما رأى إبليس لعنه الله تعالى وأخزاه ذلك وضع التراب على رأسه وجمع أولاده وقال لهم يا أولادي اعلموا انني ما أصابني منذ خلقت مثل هذه المصيبة قالوا وما هذه المصيبة قال اعلموا انه قد ولد
Bogga 18
في هذه الليلة مولود اسمه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله يبطل عبادة الأوثان ويمنع السجود للأصنام ويدعوا إلى عبادة الرحمن قال فنثروا التراب على رؤوسهم ودخل إبليس لعنه الله تعالى في البحر الرابع وقعد فيه للمصيبة هو وأولاده مكرهين أربعين يوما.
(قال الواقدي) فعند ذلك اخذت الحوريات محمدا صلى الله عليه وآله ولففنه في منديل رومي ووضعنه بين يدي آمنة ورجعن إلى الجنة يبشرن الملائكة في السماوات ولد النبي صلى الله عليه وآله ونزل جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ودخلا البيت على صورة آدميين وهما شابان ومع جبرئيل طشت من ذهب ومع ميكائيل إبريق من عقيق احمر فاخذ جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وآله وغسله وميكائيل يصب الماء عليه فغسلاه وآمنة في زاوية البيت قاعدة فزعة مبهوتة فقال لها جبرئيل يا آمنة لا تغسليه من النجاسة فإنه لم يكن نجسا ولكن غسلناه من ظلمات بطنك وفرغا من غسله وكحلا عينيه ونقطا جبينه بزرقة كانت معهم ومسك عنبر وكافور مسحوق بعضه ببعض فذرا فوق رأسه صلى الله عليه وآله قالت آمنة وسمعت جلبة وكلاما على الباب فذهب جبرئيل إلى عند الباب فنظر ورجع إلى البيت وقال ملائكة سبع سماوات على الباب يريدون السلام على النبي صلى الله عليه وآله فاتسع البيت مد النظر ودخلوا عليه موكبا بعد موكب وسلموا عليه وقالوا السلام عليك يا محمد السلام عليك يا محمود السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد.
(قال الواقدي) فلما دخل من الليل ثلثه أمر الله تعالى جبرئيل (ع) يحمل من الجنة أربعة اعلام فحمل جبرئيل الاعلام ونزل إلى الدنيا ونصب علما اخضر على جبل قاف مكتوبا عليه بالبياض سطران لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ونصب علما آخر على جبل أبى قبيس له ذؤابتان مكتوب على واحد منهما شهادة ان لا إله إلا الله وفي الثانية لادين إلا دين محمد بن عبد الله، ونصب علما آخر على سطح بيت الله الحرام له ذؤابتان
Bogga 19
مكتوب على واحدة منهما طوبى لمن آمن بالله وبمحمد والويل لمن كفر به ورد عليه حرفا مما يأتي به من عند ربه، ونصب علما آخر على ضريح بيت الله المقدس وهو أبيض عليه خطان مكتوبان بالسواد لا غالب إلا الله والثاني النصر لله ولمحمد صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) وذهب استحيائيل ووقف على ركن جبل أبى قبيس ونادى بأعلى صوته يا أهل مكة آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا وامر الله تعالى غمامة ان ترفع فوق بيت الله الحرام وتنثر على البيت ريش الزعفران والمسك والعنبر فارتفعت الغمامة وأمطرت على ذلك البيت، فلما أصبحوا رأوا ريش الزعفران والمسك والعنبر يمطر على البيت وخرجت الأصنام من بيت الله الحرام وجاؤا إلى عند الحجر وانكبوا على وجوههم وجاء جبرئيل بقنديل احمر له سلسلة من جزع اصفر وهو يشتعل بلا دهن بقدرة الله تعالى.
(قال الواقدي) وأبرق من وجه النبي صلى الله عليه وآله برق وذهب في الهواء حتى التزق بعنان السماء وما بقي بمكة دار ولا منظر إلا ودخله ذلك النور ممن سبق في قدرة الله تعالى وعلمه انه يؤمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله وما بقي في تلك الليلة كتاب من التوراة والإنجيل والزبور ومما كان فيه اسم محمد صلى الله عليه وآله أو نعته إلا وقطر تحت اسمه قطرة دم قال لان الله تعالى بعثه بالسيف وما بقي في تلك الليلة دير ولا صومعة إلا وكتب على محاريبها اسم محمد صلى الله عليه وآله فبقيت الكتابة إلى الصباح حتى قرأها الرهبانية والديرانية وعلموا ان النبي الأمي قد ولد.
(قال الواقدي) فعندها قامت آمنة وفتحت الباب وصاحت صيحة وغشى عليها ثم دعت بأمها برة وأبيها وهب وقالت ويحكما أين أنتما أما رأيتما ما جرى علي انى وضعت ولدي وكان كذا وكذا تصف لهما ما رأته قال فقام وهب ودعا بغلام وقال اذهب إلى عبد المطلب وبشره وأهل مكة على
Bogga 20
المنابر وقد صعدوا الصروح ينظرون إلى الذي رأوا من العجائب ولا يدرون ما الخبر وكذلك عبد المطلب قد صعد مع أولاده فما شعروا بشئ حتى قرع الغلام الباب ودخل على عبد المطلب وقال يا سيدنا ابشر فان آمنة وضعت ذكرا فاستبشر بذلك وقال قد علمت أن هذه براهين ودلايل لمولودي فذهب عبد المطلب إلى آمنة مع أولاده ونظروا إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ووجهه كالقمر ليلة البدر يسبح ويكبر في نفسه فتعجب منه عبد المطلب.
(قال الواقدي) فأصبح أهل مكة في يوم الثاني صبيحة يوم السبت ونظروا إلى القنديل والسلسلة والى ريش الزعفران والعنبر ينزل من الغمامة وينظرون إلى الأصنام وقد خرجت من مراكزها مكبات على وجوهها وبقى الخلق على ذلك وجاء إبليس أخزاه الله على صورة شيخ زاهد وقال يا أهل مكة لا يهمنكم أمر هذا فإنما اخرج الأصنام بهذا الميل العفاريت والمردة وسجدوا لهن فلا يهمنكم وأمر إبليس لعنه الله تعالى ان ترد الأصنام إلى جوف بيت الله الحرام ففعلوا ذلك وإذا بهاتف يهتف ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.
(قال الواقدي) فأرسل الله تعالى إلى البيت حللا من الديباج الأبيض مكتوبا عليها بخط أسود: بسم الله الرحمن الرحيم: يا أيها النبي انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا وقمرا منيرا (قال) الواقدي فتعجب الناس من ذلك فبقيت الحلل على البيت أربعين يوما فذهب رجل من آل إدريس كان بالثعلبان واتى وكانت يده دسمة فتمسح بتلك الحلل والتحف بها فارتفعت الحلل من ليلتها ولو لم يلتحف بها لبقيت على بيت الله الحرام هي والديباج إلى يوم القيامة (قال) الواقدي فاجتمع رؤساء بني هاشم وذهبوا إلى حبيب الراهب وقالوا يا حبيب بين لنا خبر هذه الحلل وخروج الأصنام من جوف بيت الله الحرام والكواكب السائرات والبرق الذي أبرق في هذه الليلة والجلبات التي سمعنا فما هي فقال حبيب أنتم تعلمون
Bogga 21