56

Explanation of the Book of the Virtue of Islam by Muhammad ibn Abd al-Wahhab - Nasir al-Aql

شرح كتاب فضل الإسلام لمحمد بن عبد الوهاب - ناصر العقل

Noocyada

لزوم جماعة المسلمين عند ظهور الفتن أيضًا: في قوله ﷺ: (تلزم جماعة المسلمين)، لما قال: (قلت: يا رسول الله! ما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وهذه وصية عامة لكل مسلم يحدث له مثل ذلك في أي زمان وفي أي مكان إذا رأى الأمر يوجد فيه شيء مما يخفى فيه الحق، فإذا حدثت فتنة بين المسلمين أيًا كان نوع هذه الفتنة، فعليه أن يلزم ما عليه جماعة المسلمين؛ لأن كلًا يدعي أنه الجماعة، وفي الأزمنة الأخيرة خصوصًا ضاعت مسألة المفاهيم الشرعية في أذهان الناس، فقد يقول قائل: ما الجماعة؟ وهذا حق وكل يدعي اليوم مفهوم الجماعة فظهرت نابتة تدعي أن المسلمين كلهم هم جماعة مسلمة، وأن الفرق المفارقة هي أولى بأن تكون جماعة المسلمين ممن يسمون السلف، وهذه دعوى من أكبر الدعاوى العريضة الفاتنة للناس، ولكن هناك ضابط شرعي للجماعة، فالجماعة لها مفاهيم كلها ينطبق عليها هذا الوصف، ومن هذه المفاهيم أولًا: أن جماعة المسلمين هم الذين اجتمعوا على إمام له بيعة، والمسلم يجمع على البيعة، فهذه من الأوصاف التي تعرف بها الجماعة، حتى وإن كانوا على رأي مرجوح، وإن كان فيهم شيء من الخلل والتقصير ما دامت كلمتهم مجتمعة على إمام مسلم، فلابد أن تتمثل بهم الجماعة في مثل هذه الوصية التي ذكرها النبي ﷺ وأوصى بها. ثانيًا: أن جماعة المسلمين يتمثلون بأهل الحق، وأهل الحق أيضًا دعوى ولكن نعرفها بما كان عليه العلماء أصحاب الثقة والرسوخ العلماء، والعلماء أيضًا وصف اعتباري له شروطه وضوابطه، يهبه الله ﷿ لمن يشاء ممن يوفق بأن يكون له من العلم والفضل والاعتبار في قلوب المسلمين، فالعالم القدوة الذي يكون له الرأي هذا معنى من معاني جماعة المسلمين ولا ينفك عن الأول، فالمسلمون الذين تحت إمام أو حاكم مسلم لابد أن يمثلهم علماؤهم، فيجتمع المعنيان على هذا المعنى، جماعة المسلمين الذين لهم بيعة بإمام مسلم ومن فيهم من العلماء هم داخلون على رأس الجماعة، ثم يدخل في مفهوم الجماعة من يصدرون عن العلماء وعن الحاكم المسلم من أهل الحل والعقد أهل الرأي والمشورة من أمراء وولاة وقواد ورؤساء عشائر ومطاعون في الأمة، هؤلاء يتمثل بمجموعهم جماعة المسلمين أو في بعضهم إذا فقد البعض الآخر، فقد تجتمع هذه المعاني جميعًا أو بعضها. إذًا: المسلم إذا أشكل عليه أمر وظهرت الأقوال المتضاربة وظهرت الفتنة، عليه أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم على حالهم التي كانوا عليها بعيدًا عن النظرة المثالية كما يحدث من بعض الناس الذين يجهلون أحكام الشرع، وبعيدًا عن العواطف وبعيدًا عن الاعتداد بالرأي. ومما ينبغي التنبه له: أن الجماعة في بعض الأزمان والأمكنة التي يجب الاعتصام بها قد لا تكون على الحال الأمثل وقد لا تكون في خلافة راشدة، قد تكون في ملك عضوض وقد لا يكون العلماء فيها بالصورة التي نسمع بها في القرون الثلاثة الفاضلة، وقد لا يكون الناس في جملتهم على الاستقامة، وقد يكون عندهم شيء من الانحرافات في الجملة لكن لا يضيع الحق بينهم.

9 / 4