186

Explanation of the Book of Tawhid by Ibn Khuzaymah - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar

شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار

Noocyada

توافر الشروط وانتفاء الموانع موجب للتكفير التأصيل الرابع: أن حكم الكفر لا يثبت إلا بتوافر شروط وانتفاء موانع، مثال ذلك: لو أنكر رجل فرضًا من فروض الصلاة، فقال: المفروض على الناس أربع صلوات فقط وليس خمس صلوات، فقد أتى بمكفر؛ لأنه أنكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة. فننظر توافر الشروط وانتفاء الموانع، فقد يكون ممن لا يعرف أن الله جل وعلا افترض على عباده صلاة أو صيامًا، كأن يكون جاهلًا لا يقرأ ولا يسمع ولا يعرف أي شيء، فهذا مانع من تكفيره، كذلك لو أن رجلًا مجتهدًا قال: إن الله لم يستو على عرشه، وينفي صفة الاستواء، فإن كان عالمًا مجتهدًا اجتهد ونظر في الأدلة، فوصل به اجتهاده إلى هذا الخطأ، فإنه مجتهد مخطئ له أجر، ولا يمكن أن يكفر بذلك، حتى تنتفي الموانع وتتوافر الشروط، فإن توافرت الشروط ولم تنتف الموانع فلا نكفر. مثال يوضح هذا: المسلم الذي يقتل مسلمًا متعمدًا لقد تسبب في حكم الكفر، فإن الذي يقتل مؤمنًا متعمدًا حكمه الخلود في النار، والذي لا يكون إلا لكافر، فهنا توافر الشرط، لكن هل انتفى المانع؟ نقول: إن الموانع جاءت بكثرة تبين أن المسلم إذا قتل مسلمًا ولو متعمدًا لا يخلد في نار جهنم، مع أن الله تعالى قال: «خالدًا فيها» والمعنى: هذا حكمه وجزاؤه إن جوزي به كما قال أبو هريرة، فهنا توافر فيه السبب المقتضي للحكم، وهو قتل المسلم عمدًا، وقتل المسلم متعمدًا سبب لخلوده في النار، لكن يأتي المانع فيدفع هذا السبب، والمانع هو لا إله إلا الله؛ لأن من قال: لا إله إلا الله نفعته يومًا من الدهر، ودخل بها الجنة، وبانتفاء المانع انتفى الحكم. إذًا: التكفير حق محض لله لا يجرؤ عليه إلا جريء، ولا بد أن يعلم أولًا أنه من لوازم ربوبية الله ومن نازع الله في ربوبيته فهو على شفير هلكة، فهذا هو التأصيل الأول. التأصيل الثاني: أن هناك فارقًا بين تكفير النوع والمعين. التأصيل الثالث: أن من ثبت إيمانه بيقين لا يزول بالشك بحال من الأحوال. التأصيل الرابع: حتى نكفر أحدًا، لا بد من توافر شروط وانتفاء موانع. وبهذه الأمور تضيق دائرة التكفير جدًا، حتى على العلماء المجتهدين، فمن ثبت إيمانه بيقين وأتى بمكفر، ثم أقيمت عليه الحجة وأزيلت الشبهة من عالم مجتهد نحرير، فإنه يكفر بذلك، وليس لأحد أن يتجاسر على هذا الأمر، ولو تجرأ عليه فهو على شفير هلكة. فهذا التأصيل لا بد أن يصاحب طالب العلم في حله وترحاله، وقد أكدت عليه وقررته وكررته؛ لأن من وقع في باب التكفير فقد وقع في خطر عظيم. ٦)] الأدلة على التكفير من قال بخلق القرآن:- من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر، وجه تكفير من قال هذا القول المطلق ما يلي أولًا: تكذيبه للقرآن، فإن الله قرر في كتابه أن القرآن هو كلام الله غير مخلوق، فمن قال بأنه مخلوق فقد كذب الله، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ [التوبة:٦]، وإضافة المعنى الذي هو كلام الله من باب إضافة الصفة للموصوف، فهذه الصفة ليست عينًا قائمة بذاتها. الأمر الثاني: أنه شبه الخالق بالمخلوق إذ كلام الإنسان مخلوق، فمن قال: إن كلام الله مخلوق، فقد شبه الله بخلقه، وقد أصل لنا نعيم بن حماد شيخ البخاري تأصيلًا عظيمًا فقال: من شبه الله بخلقه فقد كفر. ثالثًا: أن من قال: إن القرآن مخلوق، فقد خالف إجماع سلف الأمة وشموسها فقد قالوا: إن من قال القرآن مخلوق فقد كفر، وإليكم بعض الآثار عنهم، روي بسند صحيح عن الإمام أحمد أنه سئل عمن قال: القرآن مخلوق، فقال: من قال أن القرآن مخلوق فقد كفر، وعلى هذا فتكفير الجهمية تكفير ليس عينًا، فإنه صلى خلف المأمون وأمر باتباعه والسمع والطاعة له. وهذا وكيع الذي كان إذا دخل مكة انفض الناس عن كل المجالس إلى مجلسه، كان جبلًا في الحفظ ﵁ وأرضاه، قال في ذبائح الجهمية بأنها ميتة فهي حرام فهو نزل الجهمية منزلة الكفار في كون رد ذبيحتهم ميتة لا يجوز الأكل منها. وأيضًا قيل لـ ابن المبارك: إن النضر يقول: أن من قال: إن الله لم يكلم موسى فقد كفر، قال: صدق النضر، قال: من قال: إن قول الله تعالى: «إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» مخلوق فقد أدى بذلك أن الله أمر موسى أن يعبد مخلوقًا لا خالقًا، وهذا أم الكفر وبابه. وأيضًا الإمام مالك قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، يقتل بعدما يستتاب. وقال جعفر جعفر الصادق: من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر يقتل ولا يستتاب، والخلاف فقهي بين العلماء، هل يستتاب ثلاثة أيام أم لا؟ الغرض المقصود أنه ما من إمام من الأئمة إلا وقد كفر من قال بأن القرآن مخلوق، وليس صفة من صفات الله جل وعلا. ناظر الشافعي حفصًا الفرد أحد غلمان بشر المريسي فقال في بعض كلامه: القرآن مخلوق. فقال له الشافعي كفرت بالله العظيم. إذًا فمن قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر؛ لأن القرآن تكلم الله به وسمعه منه جبريل بصوت وحرف، ثم نزل به إلى النبي ﷺ.

22 / 11