181

Explanation of the Book of Faith by Abu Ubaid - Al-Rajhi

شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد - الراجحي

Noocyada

ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر ولا تخرج من الإيمان
قال المؤلف ﵀: [باب ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر بلا خروج من الإيمان: قال أبو عبيد: حديث النبي ﷺ: (لعن المؤمن كقتله)، وكذلك قوله: (حرمة ماله كحرمة دمه)، ومنه قول عبد الله: شارب الخمر كعابد اللات والعزى وما كان من هذا النوع مما يشبه فيه الذنب بآخر أعظم منه، وقد كان في الناس من يحمل ذلك على التساوي بينهما، ولا وجه لهذا عندي؛ لأن الله قد جعل الذنوب بعضها أعظم من بعض فقال: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء:٣١] في أشياء كثيرة من الكتاب والسنة يطول ذكرها، ولكن وجوهها عندي أن الله قد نهى عن هذه كلها، وإن كان بعضها عنده أجل من بعض، يقول: من أتى شيئًا من هذه المعاصي فقد لحق بأهل المعاصي كما لحق بها الآخرون؛ لأن كل واحد منهم على قدر ذنبه قد لزمه اسم المعصية، وإن كان بعضهم أعظم جرمًا من بعض].
هذا الباب عقده المؤلف ﵀ لبيان ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر وليس فيها بيان أنها شرك أو كفر، بل تلحق بالكبائر ولا يخرج صاحبها عن الإيمان، فهي مثل الذنوب التي سميت شركًا أو كفرًا، كالحلف بغير الله وكالطعن في النسب.
فكذلك الذنوب التي تلحق بالكبائر فإنها لا تخرج صاحبها عن الإيمان وإنما يكون صاحبها مرتكبًا لكبيرة فيكون ضعيف الإيمان وناقص الإيمان.
وحديث النبي ﷺ: (لعن المؤمن كقتله) الحديث أخرجه مسلم ﵀، وفيه أن النبي ﷺ شبه لعن المؤمن بالقتل، والقتل كبيرة وكذلك اللعن كبيرة، فيكون لعن المؤمن كبيرة، فإذا لعن الإنسان مؤمنًا ضعف إيمانه ونقص، كما أنه إذا قتله ضعف إيمانه ونقص.
قوله: (حرمة ماله كحرمة دمه)، هذا الحديث أخرجه الدارقطني وأبو نعيم عن ابن مسعود وله شاهد في مسلم.
وكما أن دم المسلم حرام فكذلك ماله حرام، فإذا أخذ ماله بغير حق ارتكب كبيرة وضعف إيمانه ونقص.
قول عبد الله: شارب الخمر كعابد اللات والعزى، هو عبد الله بن مسعود، شبه شارب الخمر بعابد اللات، أي: شبه الذنب بذنب آخر، وإن كان عابد الوثن مرتكبًا للشرك الأكبر إلا أن المشبه أقل من المشبه به، فتشبيهه به يدل على أنه كبيرة من كبائر الذنوب، وهذا على فرض صحة الحديث، وهو موقوف على عبد الله، والمحشي يقول: إنه صحيح مرفوع إلى النبي ﷺ ولم أره موقوفًاَ على ابن مسعود.
فالمقصود أن هذا فيه تشبيه، شبهه بالشرك، لكن المشبه أقل من المشبه به، ولهذا قال المؤلف: (وما كان من هذا النوع مما يشبه في الذنب بآخر أعظم منه، وقد كان في الناس من يحمل ذلك على التساوي بينهما، ولا وجه لهذا عندي) أي: بعض الناس يسوي بين المشبه والمشبه به فيقول: لعن لمؤمن كقتله في الجريمة، لكن هذا ليس بصحيح، فالقتل أشد من اللعن، كذلك (حرمة ماله كحرمة دمه) فحرمة الدم أعظم من حرمة المال.
و(شارب الخمر كعابد الوثن) ولا شك أن شارب الخمر ليس كعابد الوثن، ومن يحمل ذلك على التساوي ويجعل المشبه كالمشبه به قال فيه المؤلف: (ولا وجه لذلك عندي؛ لأن الله قد جعل الذنوب بعضها أعظم من بعض) يعني: أن الله تعالى قسم الذنوب إلى كبائر وصغائر، والكبائر بعضها أكبر من بعض، وكل كبيرة هي صغيرة بالنسبة إلى ما فوقها وكبيرة بالنسبة إلى ما دونها.
واستدل بقول الله تعالى: ﴿(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء:٣١] في أشياء كثيرة من الكتاب والسنة يطول ذكرها) يقول: هذه أمثلة وإلا فالأدلة كثيرة، (ولكن وجوهها عندي) يعني: معنى هذه النصوص وتفسيرها (أن الله قد نهى عن هذه كلها، وإن كان بعضها عنده أجل من بعض) فالله تعالى نهى عن الكبائر وإن كان بعضها أكبر من بعض، فنهى عن لعن المؤمن ونهى عن قتله ونهى عن ماله ودمه، وإن كان بعضها أكبر من بعض، فالقتل أعظم من اللعن، وحرمة الدم أعظم من حرمة المال، لكن يجمعها شيء واحد وهو أن الله نهى عنها كلها وإن كان بعضها عنده أجل من بعض عند الله.
قوله: (من أتى شيئًا من هذه المعاصي فقد لحق بأهل المعاصي كما لحق بها الآخرون؛ لأن كل واحد منهم على قدر ذنبه قد لزمه اسم المعصية، وإن كان بعضهم أعظم جرمًا من بعض) المعنى أن الذنوب التي تلحق بالكبائر أو تلحق بما هو أكبر منها كلها معاص تنقص الإيمان وتضعفه كالكبائر لا تخرج صاحبها من الملة.
قال المؤلف ﵀: [وفسر ذلك كله الحديث المرفوع حين قال: (عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثم قرأ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج:٣٠])، فقد تبين لنا الشرك والزور، وإنما تساويا في النهي، نهى الله عنهما معًا في مكان واحد فهما في النهي متساويان، وفي الأوزار والمأثم متفاوتان].
المؤلف يفسر هذا أن الذنب قد يلحق بالذنب وإن لم يبلغ مرتبته حديث: (عدلت شهادة الزور الإشراك بالله) هذا إذا صح الحديث، وأظنه ضعيفًا، لكن على فرض صحته، ثم قرأ قول الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج:٣٠]، فقرن قول الزور بالشرك بالأوثان، ومعلوم أن قول الزور أقل من عبادة الأوثان، فهذا ألصق بهذا؛ لأن هذا كبيرة وهذا كبيرة، والرجس من الأوثان كبيرة تصل إلى الشرك وقول الزور كبيرة لا تصل الشرك.
فإلحاق الذنب بما هو أكبر منه يجعله كبيرة ولا يخرج صاحبه من الإيمان، فلا يخرج بقول الزور وشهادة الزور من الإيمان، ولهذا قال المؤلف: (فقد تبين لنا الشرك والزور، وإنما تساويا في النهي، نهى الله عنهما معًا في مكان واحد) في آية: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج:٣٠] (فهما في النهي متساويان، وفي الأوزار والمأثم متفاوتان) فهذا شرك أكبر يخرج من الملة وهذا معصية.

13 / 2