220

Explanation of Lāmiyya by Ibn Taymiyyah

شرح لامية ابن تيمية

Noocyada

مناظرات في مسألة النزول قال إسحاق بن منصور: قلت للإمام أحمد رحمه الله تعالى: (ينزل ربنا كل ليلة) الحديث، فقال له الإمام أحمد وكان معه إسحاق بن راهوية: الحديث صحيح، وزاد إسحاق رحمه الله تعالى: لا يدع هذا الحديث إلا مبتدع، أي: لا ينكره ولا ينفيه إلا رجل مبتدع ليس منقادًا لكتاب الله ولا سنة رسوله ﷺ. وقيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، قال: نعم، قلت: ينزل بعلمه، فسكت الإمام أحمد عن هذا الكلام وغضب غضبًا شديدًا وقال: ما لك ولهذا؟ ثم قال له: أمض الحديث، أي: أثبت الحديث كما ورد بلا كيف ولا تحديد إلا بما جاءت به الآثار وبما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ثم قرأ عليه قول الله تعالى: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾ [النحل:٧٤] وأنه ينزل كيف شاء ﷾ نزولًا يليق بجلاله وعظمته. قال بشر بن السري لـ حماد بن زيد: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، يتحول من مكان إلى مكان؟ أي: كأن هذه وردت شبهة في ذهنه، فقال: ينزل يتحول من مكان إلى مكان؟ فسكت حماد منكرًا عليه غاضبًا، ثم قال حماد: هو في مكانه يقرب من خلقه ﷾ كيف يشاء. قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى: أجمع الصحابة ﵃، وكذلك التابعون الذين حُمل عنهم التأويل أي: تفسير القرآن بالسنة في قول الله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ [المجادلة:٧] قال: هو على عرشه، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك من يحتج بقوله إطلاقًا وإنما خالفهم المبتدعة، ثم قال تقعيدًا لمنهج أهل السنة والجماعة: وأهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في كتاب الله وسنة رسوله والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز؛ لأنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك. وهنا من اللطائف التي وقعت لأحد التابعين ﵁، روى أبو عبد الله الحاكم مما قال: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم وحضر إسحاق بن راهوية، فسئل عن حديث النزول: أصحيح هو؟ قال إسحاق: نعم صحيح، قال بعض القواد ولعله من الجهمية والمعتزلة للأمير كأنه يستعديه عليه ويريد أن يفتك بـ إسحاق بن راهوية: يا أبا يعقوب! أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: نعم، قال: كيف ينزل؟ فقال له إسحاق: أثبته فوق حتى أصف لك النزول؛ لأن المعتزلة لا يثبتون فوقية الله تعالى، قال: أقول: إنه فوق، فقال: ما دمت أثبت فوق فإن الله يقول: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢٢] أورد عليه صفة المجيء، فقال الأمير عبد الله بن طاهر: إن هذا يوم القيامة -أي: مجيء الله يوم القيامة- قال: إن من يجيء يوم القيامة من يمنعه أن يجيء في الحياة الدنيا؟ فسكت عبد الله بن طاهر، وهذا المعتزلي لم يستطع أن يتكلم بكلمة، فبهت، وعند ذلك لم يستطع أن يرد بعد أن بين له أن الله ﷾ ينزل نزولًا يليق بجلاله وعظمته، ولذلك وجب على أهل السنة أن يثبتوا لله تعالى صفة النزول. ومن المناظرات التي وردت، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في الصواعق المرسلة: قيل لبعض أصحابنا، أي: ممن يثبتون صفة النزول لله: أتقول: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ فقال هذا السلفي: ومن أنا حتى أقول ذلك، لست أنا الذي قلت ذلك، فقد قاله رسول الله ﷺ وبلغه أمته، ولست أنا الذي قلته، فقال له الجهمي: هذا القول يلزم منه الحركة والانتقال -شبهة المعتزلة التي ذكرناها سابقًا- فقال له السني: أنا لم أقل ذلك وإنما قاله رسول الله ﷺ، والشبهة التي عندك قلها لرسول الله ﷺ لا تقلها لي أنا، فاعتراضك الذي قلته قله لرسول الله ﷺ ولا تقله لي، أما أنا فإني أصدق بما جاء به الرسول ﷺ، فبهت الجهمي، وما استطاع أن يرد عليه إطلاقًا، ولهذا قال العلماء رحمهم الله تعالى: إن الأفعال الاختيارية للرب ﷾ هي من لوازم الحياة، فالإرادة والمشيئة من لوازم الفعل، وللفعل لوازم لا يجوز نفيها إطلاقًا بل الواجب إثباتها لله ﷾ على ما يليق بجلال الله وعظمته. ولهذا إذا سألك رجل فقال لك: كيف ينزل ربنا؟ فتقول له: الله ينزل نزولًا يليق بجلاله وعظمته، لا نكيفه، ولا نشبهه بأحد كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، وما نرى السائل إلا رجلًا مبتدعًا جاء بقول باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ. نذكر هنا بعض القصص التي وقعت، ولعل أكثرها وقعت مع عبد الله بن طاهر ﵀، من هذه ما نقله ابن بطة، قال إسحاق بن راهوية: دخلت على عبد الله بن طاهر، فقال: ما هذه الأحاديث التي تروونها؟ أي: أنتم تروون أحاديث المجيء والرؤية وأحاديث النزول، وأحاديث الاستواء على العرش وغيرها، فقلت: أي شيء أصلح الله الأمير؟ قال: إنكم تروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فقال إسحاق بن راهوية: فقلت: نعم. رواها الثقات الذين يروون لنا الأحكام، فالأحاديث التي وردت في الأحكام أتعملون بها في الصلاة وفي الزكاة؟ قال: نعم، قال: فالذين رووا هذه الأحاديث هم الذين رووا لنا أحاديث النزول، فنحن نثبتها لله سبحانه تعالى، فنقول: الله ينزل ونثبته لله تعالى على ما يليق به، فقيل له: أينزل ويدع العرش؟ فقال: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش، فقال له: أتثبت ذلك؟ أي: أن الله يقدر أن ينزل دون أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم، قال: إذًا ولماذا تتكلم في هذا الأمر، إذًا: أثبته، أي: كأنه يقول: أثبت الاستواء على العرش، وأثبت النزول، فلا تضرب النصين بعضهما ببعض، فلا تقل: إذا أثبتنا النزول أدى إلى خلو العرش، بل كما ورد الاستواء على العرش وورد النزول فأثبت الاثنين جميعًا، وهذا هو الواجب علينا أن نثبتهما. روى الأثرم في السنة عن الفضيل بن عياض، أنه كان يقول: إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب ينزل عن مكانه، أو يتحول عن مكانه، أو يزول عن مكانه! فقل له: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ﷾، وكأنهم يفاصلونا بقضية الرؤية، ونفهم من هذا أن هؤلاء الجهمية يكفرون من يثبتون النزول للرب، ويثبت الاستواء، بل يثبت الأفعال التي تتعلق بالإرادة والمشيئة، ولهذا قال: أنا أكفر برب -نعوذ بالله- إذا كان لا يقبل هذا الرب الذي ينزل ويستوي على عرشه وغيره! نعوذ بالله من حال هؤلاء الجهمية، وهذا يدل على تكبرهم وعدم قبولهم، هذا القول نقل عن الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى، ونقل عن يحيى بن معين رحمه الله تعالى كما رواه اللالكائي، يقول يحيى بن معين ﵀ ورضي عنه: إذا سمعت الجهمي يقول: أنا أكفر برب ينزل، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ﷾، ولا ننفي هذه إطلاقًا أبدًا. ومما ورد ما ذكره الإمام أحمد في كتاب السنة بسنده قال: قدم علينا شريك، فسألته عن الحديث: (إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان) فقلنا له: إن قومًا ينكرون هذه الأحاديث عن الرب، قال: فما يقولون؟ قال: يطعنون فيها، قال: إن الذين جاءونا بهذه الأحاديث هم الذين جاءونا بالقرآن وجاءونا بالسنة، وجاءونا بالصلاة، وجاءونا بالحج، وجاءونا بالصيام وغيره، فما يعرف الله إلا بهذه الأحاديث. ومما ذكر كذلك قصة وهي بسند طويل، ولعلها كلها تدور على إسحاق بن راهوية ﵀، يقول: اجتمعت الجهمية إلى عبد الله بن طاهر في مجلس، فقالوا: أيها الأمير! إنك تقدم إسحاق بن راهوية وتكرمه وتعظمه وهو كافر، يزعم أن الله ﷿ ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، ويخلو منه العرش، فغضب عبد الله بن طاهر على إسحاق بن راهوية أشد الغضب يقول: وبعث إليَّ، ثم دخلت عليه في مجلسه وسلمت قال: فلم يرد علي عبد الله بن طاهر متأثرًا بقول الجهمية، وكان من عادته إذا دخلت عليه أن يرد علي السلام، وأن يجلسني. يقول: فما قال لي شيئًا أبدًا، ثم رفع إلي رأسه مغضبًا، وقال لي: ويلك يا إسحاق! ما يقول هؤلاء عنك؟ قلت: لا أدري ماذا قالوا عني، قال: تزعم أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، وأنه يخلو من عرشه، قلت: أيها الأمير! لست أنا الذي قلته، قاله النبي ﷺ، وروى بسنده إلى النبي ﷺ من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على رسول الله ﷺ أنه قال: (ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من داع؟) الحديث، ثم قال عنهم: مرهم أيها الأمير أن يناظروني، فأنا على استعداد لهم. فلما سمع الأمير الحديث وسمع بأني أريد أن أنازلهم هدأ ما في نفسه، ثم قال لي: اجلس، فجلست، ثم قلت له: أيها الأمير! مرهم أن يناظروني فأنا على استعداد لمناظرتهم، فإما أن يبدءوا وإما أن أبدأ، فقال لهم: ناظروه، فقال لهم إسحاق

13 / 9