249

Explanation of al-Tahawi's Creed by Saleh Al-Sheikh

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

Noocyada

[المسألة التاسعة]:
في معنى إضلال الله ﷿ من أَضَلْ، وهدايته من هَدَى.
إذا كنا نقول إنَّ الإنسان غير مجبور على الضلال وغير مجبور على الهدى.
فما معنى قوله ﴿يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ (١) وهذا من احتجاجات الجبرية؟
ما معنى ﴿وَمَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام:٣٩]؟
ما معنى ﴿مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَد﴾ [الكهف:١٧]؟
ما معنى ﴿مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدي﴾ [الأعراف:١٧٨]؟
ما معنى ﴿مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُم فِي طُغْيَانِهِم يَعْمَهُونَ﴾ [الأعراف:١٨٦]؟
ونحو ذلك من الآيات التي فيها لفظ الإضلال والاهتداء لله ﷿ وفق مشيئته ﷾ وإرادته.
هذه المسألة ضل فيها الناس ومن أجلها ضَلَّت الجبرية والقدرية.
وهي مرتبطة في بيانها بمسألة التوفيق والخذلان.
فالله ﷿ عَلَّقَ الإضلال بمشيئته وعلق الهداية بمشيئته.
ونعلم أنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله ﷿ خَلَقَهُ، الذي يشاؤه سبحانه وتعالىأن يكون فإنه يكون، والذي يشاء الله ﷿ ألا يكون فإنه لا يكون.
إذا كان كذلك فإنَّ حدوث الهداية وحدوث الضلال نتيجة لأشياء.
ولذلك جاء لفظ التوفيق والخذلان في النصوص.
جاء لفظ التوفيق في القرآن في قوله تعالى ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بْاللهِ﴾ [هود:٨٨]، ونحو ذلك فالله ﷿ يوفّق من يشاء ويخذل ﷾ من يشاء.
ما معنى وَفَّقَ وخَذَلَ؟ وما صلتها بـ (يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء)؟
إذا تبين لك معنى التوفيق والخذلان فإنه سيَتَبَيَّن لك بوضوح معنى أنَّ الله ﷿ يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﷾.
* التوفيق: عند أهل السنة والجماعة هو إمداد الله ﷿ بعونه، إمداد الله ﷿ العبد بعونه -يعني بإعانته- وتسديده وتيسير الأمر وبذل الأسباب المعينة عليه.
فإذًا التوفيق فَضْلْ لأنَّهُ إعانة.
* وأما الخذلان: فهو سلب التوفيق، فهو سلب الإعانة.
يعني التوفيق إعطَاءٌ، مَنٌّ، كَرَمٌ.
وأما الخذلان فهو عَدْلٌ وسلبٌ.
لأنَّ العبد أعطاه الله ﷿ القُدَرْ، أعطاه الصفات، أعطاه ما به يُحَصِّلُ الهدى، أعطاه الآلات، يَسَّرَ له، أنزل عليه الكتب، فلذلك هو بالآلات التي معه قامت عليه الحجة.
لكِنَّ الله ﷿ يُنعم على من يشاء من عباده بالتوفيق فيعينهم ويسدِّدُهُم ويفتح لهم أسباب تحصيل الخير.
ويمنع من شاء ذلك فلا يُسَدِّدُهُ ولا يُعِينُهُ ولا يفتح له أسباب الخير بل يتركه ونفسه.
وهذا معنى أنه ﷿ يخذل؛ يعني لا يُعِين، يترك العبد وشأنه ونفسه.
ومعلومٌ أنّ العبد عنده آلات يُحَصِّلُ بها الأشياء لكن هناك أشياء ليست في يده.
هناك أشياء لا يمكن له أن يُحَصِّلَهَا، فهذه بيد من؟
بيد الله ﷿.
لأنَّ الإنسان مرتبط قَدَرُهْ بأشياء كثيرة من الأسباب التي تفتح له باب الخير.
مثل مثلًا أن يكون ذا أصحابٍ أو أن يُيَسَّرَ له أصحاب يعينونه على الخير.
مثل أن لا يكون في طبعه الخَلْقِي مزيد شهوة، إما شهوة كِبِرْ من كبائر القلوب أو من كبائر البدن، هذه الأشياء موجودة فيه خَلْقًا، خارجة عن اختياره وتصرفه.
فالله ﷿ يُوَفِّقْ بعض العباد بمعنى يعينهم على الأمر الذي يريدونه، إذا انفَتَحَ له بابُ خَيرٍ وأَرَادَهُ فَيُحِسُّ العبد أنه أُعين على ذلك، إذا أَرَادَ فِعْلَ أَمْرٍ ما من الخير يَسَّرَ الله ﷿ له أسبابًا تعينه فانفتح له طريق الخير.
وآخَرُ حَضَرَتْهُ الشياطين وغلبته على مُرَادِهِ وأَطَاعَهَا؛ لأنه لم يُزَوَّد بِوِقَايَة، بإعانة، بتوفيق يمنعه من ذلك.
فإذًا صار عندنا أنَّ مسألة إضلال الله ﷿ مَن يشاء هو بخذلان الله ﷿ العباد.
وهداية الله ﷿ من يشاء بتوفيق الله ﷿ بعض العباد، يعني أعان هذا وترك ذاك ونفسه.
كونه ﷿ أعان هذا هو بمشيئته.
فإذًا من يشأ الله يُضْلِلْهُ يعني: يَسْلُبُ عنه التوفيق فيَخْذُلُهُ فينتج من ذلك أنَّ الله ﷿ سَلَبَ عنه إعانته، سَلَبَ عنه تسديده، سَلَبَ عنه أسباب الخير، سَلَبَ عنه غَلْقْ أبواب الشر من الكفر وما دونه.
فإذًا يكون ضالًا، لاهٍ هو بفعل نفسه؛ لأنَّهُ وُكِلَ إلى نفسه، لأنَّ الله ﷿ لم يَمُنْ على هذا بمزيد توفيق.
فإذًا مسألة الإضلال في كلام أهل السنة والجماعة عدل، ومسألة الهداية فضْل.
ولهذا أعظم الفضل والنعمة والإحسان نعمة التوفيق، الذي هو في الحقيقة نعمة الهداية.

(١) النحل:٩٣، فاطر:٨.

1 / 249