Explanation of Al-Hamawiyyah - Yusuf Al-Ghafis
شرح الحموية - يوسف الغفيص
Noocyada
الوجه الثالث
أن يقال: إضافة الأدلة إلى هذين القسمين ليس سديدًا؛ فإن الدليل النقلي السمعي هو الدليل الشرعي، والدليل الشرعي يقابله الدليل البدعي، أما أن يقال: إن الدليل الشرعي يقابله الدليل العقلي فهذا غلط مبني على أن دلائل القرآن دلائل تسليمية محضة، وليس فيها ما هو من مخاطبة العقول؛ وهذا بسبب أن هذا القانون مبني على قول غلاة المتكلمين الذين يقولون: إن الدلائل القرآنية دلائل خبرية محضة مبنية على صدق المخبر.
والحق: أن القرآن فيه دلائل خبرية محضة كقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥] وفيه دلائل عقلية، الخطاب فيها للعقول، ولهذا يخاطب بها حتى الكفار، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا﴾ [الأعراف:١٤٨] ولهذا كان من دلائل أهل السنة على أن الله متصف بالكلام أن الله أبطل ألوهية العجل وقبوله للعبودية -أي: لكونه محلًا للعبودية- بكونه لا يتكلم، ولو كان الإله الحق كما تزعم الجهمية ومن وافقها -تعالى الله عما يقولون- لا يوصف بالكلام لكان هذا نقصًا فيه، أو كان الاستدلال على بطلان ألوهية العجل بهذا ليس صحيحًا، ومثله قول إبراهيم: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم:٤٢] فلو كان الإله الحق لا يسمع لكان هذا دليلًا على إبراهيم وليس له.
ومن هنا حكم السلف على أدلة المخالفين العقلية الكلامية بأنها دلائل بدعية، وأن أصحابها قوم مبتدعة.
فهذا قانون افتتن به كثير من المتكلمين والطوائف، وإن كان يعلم بطلانه بضرورة العقل، فضلًا عن ضرورة النقل.
ثم إنهم اعتذروا عن تقديم النقل على العقل بأن قالوا: إن أصل قبول النقل هو العقل.
ورتبوا ذلك على مسألة النبوة، وهو أن نبوة النبي ﷺ عرفت بالمعجزة والمعجزة آية عقلية.
وهذا ليس بشيء؛ لأن نبوة النبي ﵌ وإن ثبتت بالمعجزة إلا أنها تثبت بغيرها أيضًا، فإنه ليس كل من أسلم بين يدي النبي ﷺ أو بلغته دعوته فآمن به لم يؤمنوا إلا لما علموا ما معه من المعجزات، سواء كان ذلك من المشركين عبدة الأوثان أو كان من أهل الكتاب، فإن جمهور من أسلم لم يسلموا لكونهم رأوا آية -التي هي المعجزة- وإنما أسلموا لما سمعوا القرآن، ولا شك أن القرآن أعظم آيات النبي ﷺ، لكن إذا قصدنا بالآيات هنا ما تزعمها المعتزلة وأمثالها وهي الخوارق الحسية للعادات كتكثير الماء وأمثال ذلك.
وهذا هرقل -كما ثبت في الصحيحين في حديث ابن عباس - لما جاءه كتاب النبي ﷺ، أرسل إلى ركب من قريش كانوا في الشام، وكان معهم أبو سفيان، وهو إذ ذاك مشرك، فلما دخلوا على هرقل وهو كتابي عالم بكتابه سأل أبا سفيان عن مسائل، هذه المسائل لم تكن عن المعجزات، فإن هرقل لم يسأله: هل لديه معجزة أم ليس لديه معجزة؟ بل سأله: من يتبعه؟ هل كان من آبائه من ملك؟ أيكذب؟ ..
إلخ، ولما انتهى من هذه السؤالات قال: ماذا يؤمركم؟ قال: ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة ..
فماذا قال هرقل؟ قال: إن كان ما تقول حقًا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه منكم، فقطع بثبوت نبوة النبي ﷺ وجزم بها لمثل هذا.
إذًا: زعمهم أن النبوة لا تثبت إلا بالمعجزة ..
ليس سديدًا، بل تثبت بها وبغيرها؛ فإن آيات الأنبياء لا تختص بخوارق العادات.
ثم لو فرض أن هذا صحيح ..
فإن الدليل الذي عارض آيات الصفات ليس هو الدليل العقلي الذي ثبتت به المعجزة، إذًا لا يلتفت إليه ..
وهلم جرا من الأوجه.
6 / 8