Engels: Muqaddima Qasira Jedaan
إنجلز: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
كانت أولى زيارات إنجلز إلى إنجلترا عبارة عن رحلة قصيرة في صيف عام 1838، وخلد ذكرى تلك الرحلة بعد عامين (عندما بلغ إنجلز عامه العشرين) في بعض التعليقات الرومانسية إلى حد يحبس الأنفاس لكنها كانت مميزة أيضا، واصفا المناظر الطبيعية فيما بين لندن وليفربول قائلا : «إذا كانت ثمة أرض يجب أن يعبرها المرء عبر السكك الحديدية، فهذه الأرض هي إنجلترا» (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الثاني). وفي رحلته التالية لإنجلترا في أواخر عام 1842، صاحب مواهب إنجلز في السرد الوقائعي العياني وعي سياسي زاد عمقه المعارك التي شهدها في برلين؛ فبعد أن رافق في الحرب أشخاصا يتسمون بالدوجماتية والظلامية والرجعية والتشدد، استخدم إنجلز العقلانية الثورية الجديدة لتناول الحياة الإنجليزية؛ وفي هذه المرة، كانت تحت إمرته إحدى صحف كولونيا الراديكالية، وشرع في العمل على الفور.
ومن لندن هاجم «الطبقات الحاكمة، سواء أكانت الطبقة الوسطى أم الطبقة الأرستقراطية، سواء أكانوا من حزب الويج أم من حزب التوري»؛ بسبب عمى بصيرتهم وتعنتهم؛ حيث كانوا دائما معارضين لنظام الاقتراع العام؛ لأنه في هذه الحالة من الممكن أن يفوقهم في عدد الأصوات في مجلس العموم أشخاص من غير ذوي الأملاك. وكانت الحركة الميثاقية، وهي حركة شعبية تسعى للإصلاح الليبرالي، قد «بدأت تتطور بهدوء بمعدلات هائلة»، وكتب إنجلز مهددا بكارثة تنتظر «حزبي الويج والتوري الإنجليزيين» (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الثاني).
أثناء وجود إنجلز في برلين في الفترة ما بين عامي 1841 و1842، عكس تطوره السياسي التطور الذي مر به الهيجليون الشباب؛ فبعد تخفيف الرقابة على الصحافة، تحولت آراؤهم السياسية من الدفاع عن الحالة العقلانية المتسقة على نحو أو آخر مع الرؤية الهيجلية، إلى النقد الصريح لهيجل، ورفض ليبرالية الطبقة الوسطى، ثم توجهت للدفاع عن الديمقراطية والنظام الجمهوري والإصلاح الاجتماعي الذي يصب في صالح الفقراء. واستخدم كثير من الكتاب في ذلك الوقت «الاشتراكية» و«الشيوعية» على نحو متبادل، غير أن الشيوعيين كانوا يعتبرون أكثر راديكالية من الاشتراكيين، وكان من أوائل الشيوعيين الألمان شخص يدعى موشيه هس، ناقش الشيوعية على نحو مطول مع إنجلز عندما تقابلا في كولونيا، ونقل له مذهبا متفائلا يقوم على الإلحاد والثورة الأخلاقية. وفي مقالته التالية، لم يتناول إنجلز تقريبا أي موضوع سوى إعلان أنه أصبح شيوعيا.
يجب ألا يفاجئنا أن كاتب «رسائل من فوبرتال» قد وجد الشيوعية أمرا مناسبا له، إلا أن الوضع في كولونيا كان يحتاج لمقالته التي نشرت في التاسع أو العاشر من ديسمبر 1842. ففي مجموعة التحرير التي كان إنجلز يزورها مرتين قبل السفر إلى إنجلترا، كانت تتم مناقشة نظريات عن الثورة الاجتماعية الشاملة والملكية المشتركة وتحرير الإنسان، وقد أثار إنجلز إلى حد كبير الاهتمام الموجه إلى الصناعة الحديثة وفقر الطبقة العاملة والإلحاد في سياق الثورة الاجتماعية والسياسية، وكان هذا الشكل من الشيوعية على وجه الخصوص - الذي لم يكن مذهبا واضح المعالم بأي حال من الأحوال - هو المذهب الذي اختار إنجلز تطويره. وربما لم يكن «فريدريك أوسفالد» ليتوصل إلى تلك الاستنتاجات بنفسه، ولم تكن بالتأكيد هي الطريقة الوحيدة للمضي قدما بعد تعليقات فوبرتال، إلا أن إنجلز كان مقتنعا بها، واستخدم مهاراته التحليلية والصحفية لتقديم الدعم وإضفاء الحيوية على الأفكار المجردة التي وجدها مقنعة ومثيرة للغاية.
قدمت مقالة «الأزمات الداخلية» تناولا يتسم بالخصوصية والمعقولية الهائلتين، وكانت بالفعل تمهيدا نظريا لرائعة إنجلز «حالة الطبقة العاملة في إنجلترا» التي نشرها عام 1845؛ وفي هذه المقالة تساءل إنجلز بجرأة عما إذا كان نشوب ثورة في إنجلترا أمرا ممكنا أم محتملا. وفي هذه المقالة قال إنجلز: «اطرح هذا السؤال على أي رجل إنجليزي»، وسوف يقدم لك «ألف سبب وجيه يثبت أنه لا يمكن أن يوجد أي احتمال لحدوث ثورة على الإطلاق.» على سبيل المثال ثروة إنجلترا وصناعاتها، ومؤسساتها، ودستورها المرن، وحقيقة أن أي إخلال بالنظام العام لن يؤدي إلا إلى البطالة والمجاعة. إلا أنه عند تبني الرجل الإنجليزي هذا الرأي، فإنه «ينسى الأساس بسبب مظهر السطح.» وبعد ذلك قدم إنجلز تحليلا اقتصاديا لإنجلترا الصناعية؛ فقال إنها دولة تعتمد على التجارة، ومجبرة باستمرار على زيادة الناتج الصناعي، وأوضح إنجلز أن تعريفات الحماية الجمركية قد رفعت من سعر البضائع الإنجليزية وكذلك مستوى الأجور في إنجلترا، وأن التجارة الحرة سوف تؤدي إلى تدفق البضائع المستوردة إلى حد كارثي، فضلا عن تدمير الصناعة الإنجليزية، وأشار إلى أن الأسواق الإنجليزية قد بدأت تسقط أمام الأسواق الألمانية والفرنسية؛ وهكذا انكشف فلسفيا من خلال ملاحظته المباشرة «التناقض الكامن في مفهوم الدولة الصناعية». وبين إنجلز أن أقل انخفاض في التجارة سوف يحرم جزءا كبيرا من الطبقة العاملة من قوتها؛ فحدوث أزمة تجارية واسعة النطاق سوف يترك طبقة كاملة بلا أي شيء على الإطلاق، واستطرد قائلا إن نصف الإنجليز تقريبا ينتمون لطبقة «غير ذوي الأملاك، المعدمين تماما، وهي طبقة تعيش على حد الكفاف، ويتضاعف عددها سريعا»، وأردف قائلا إن التحالف الذي تم مؤخرا بين مجموعة غير منظمة من العمال المضربين وأعضاء الحركة الميثاقية في أحداث شغب عام 1842، قام على وهم هو القيام بالثورة من خلال وسائل مشروعة. وقال إنجلز دون أن يسوق أي دليل إن «المحرومين» قد اكتسبوا شيئا مفيدا؛ ألا وهو إدراك أن «القضاء القسري على الظروف القاسية الحالية» هو وحده الذي يمكنه تحسين ظروفهم. وعلى الرغم من أن احترام القانون كان لا يزال يحجم هؤلاء العمال عن إحداث أزمة كبيرة، فإنهم لن يخفقوا في إحداثها إذا أرادوا ذلك، وسيحدث هذا عندما يصبح خوفهم من الجوع أكبر من خوفهم من القانون. إن هذه الثورة «حتمية»، لكن المصالح، وليست المبادئ الخالصة، هي ما ستجعل الثورة تتحقق. لا يمكن للمبادئ أن تتطور إلا من خلال المصالح، وستكون الثورة اجتماعية وليست سياسية خالصة (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الثاني).
ومن مانشستر حيث كانت عائلة إنجلز شريكة على مدار بضع سنوات في مصنع لغزل القطن، فإنه واصل تحليله للطبقة العاملة أو طبقة البروليتاريا من خلال الملاحظة المباشرة، وعلى الرغم من أن العمال الإنجليز كانوا أفضل حالا عند توظيفهم من العمال الفرنسيين أو الألمان، فإنهم كانوا يعانون من حالة فقر شديد عند حدوث «أقل قدر من التذبذب في التجارة.» وأوضح إنجلز أن المدخرات، وكذلك الصناديق التعاونية الخاصة بالعمال تنضب عندما تتفشى البطالة، وزعم أن هذا ما يحدث في جلاسجو، قائلا: «عندما تتوسع الصناعة الإنجليزية، فلا بد دائما أن تعاني بعض المناطق.» وعلق قائلا إن الدولة لا يهمها ما إذا كان الجوع مرا أم حلوا؛ فهي تلقي بهؤلاء الناس في غياهب السجون، أو ترسلهم إلى مستعمرات عقابية، وعندما تطلق سراحهم، تكون الدولة «قد شعرت بالارتياح لأنها حولت الأشخاص الذين هم بلا عمل إلى أشخاص بلا أخلاق.» وضرب إنجلز مثلا بعمال مانشستر الذين عندما يتم توظيفهم يتحملون يوم عمل طوله 12 ساعة، وعندما لا يتم توظيفهم، «من يستطيع أن يلومهم إذا لجأ الرجال إلى النهب أو السطو، ولجأت النساء إلى السرقة والدعارة؟» (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الثاني).
كان لرائعة إنجلز التي نشرها عام 1845 ثلاثة أعمال تمهيدية أخرى، وهي مقالات كتبت ونشرت في الفترة ما بين عامي 1843 و1844، متناولة موضوعا أوسع نطاقا؛ ألا وهو: التاريخ الاجتماعي لإنجلترا. ناقش إنجلز كتاب توماس كارلايل «الماضي والحاضر» الذي كان قد نشر مؤخرا، من خلال تقديم هذا المشروع الكبير ومدح مؤلفه على «وجهة نظره الإنسانية»، لكنه بالغ في انتقاد «آثار رومانسية حزب التوري»، وكذلك عدم معرفته بالفلسفة الألمانية؛ ومن ثم فإن كل آرائه كانت «بسيطة وحدسية». وقال إنجلز إن شكاوى كارلايل من فراغ وخواء ذلك العصر، وهجومه على النفاق والكذب، ونقده للمنافسة واقتصاد العرض والطلب؛ كانت «صحيحة»، وعاب عليه أنه بالرغم من ذلك لم يتعمق ليصل إلى سبب تلك الظواهر، ومن ثم لم يكتشف الحل؛ ونتيجة لذلك «لم يوجد أدنى ذكر للاشتراكيين الإنجليز» (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الثالث).
وفي المقالتين التاليتين تتبع إنجلز الثورة الاجتماعية الإنجليزية من أصولها في القرن الثامن عشر، لا سيما تطور المحرك البخاري وإدخال الميكنة في مجال النسيج وتصنيع المعادن، وسرد بعض اختراعات لمخترعين أمثال واط، وودجوود، وهارجريفز، وآركرايت، وكرومبتون، وكارترايت، وأشار إلى التطورات في مجال الاتصال من خلال الطرق والقنوات والسكك الحديدية، وبالرغم من ذلك فقد رأى أن تلك التطورات لم تفد إلا قليلا من الناس واستعبدت الكثيرين، وغيرت قيم المجتمع الإنجليزي تغييرا عميقا. قال إنجلز عن هذا:
إن تلك الثورة التي حدثت في الصناعة البريطانية هي أساس كل جانب من جوانب الحياة الإنجليزية المعاصرة، وهي القوة المحركة وراء كل أشكال التطور الاجتماعي، وكانت أولى تبعاتها، كما أوضحنا بالفعل، أن وصلت المصلحة الذاتية إلى مستوى السيطرة على الإنسان. لقد استولت المصلحة الذاتية على القوى الصناعية المكونة حديثا واستغلتها لأغراضها الخاصة، وتلك القوى التي تخص الإنسان أصبحت حكرا على قلة من الرأسماليين الأثرياء ووسيلة لاستعباد الأغلبية. واستحوذت التجارة على الصناعة، وهكذا أصبحت التجارة ذات سلطة مطلقة، وأصبحت الرابط بين بني البشر، واختزلت كل العلاقات الشخصية والقومية إلى علاقات تجارية، وهذا يؤدي إلى الأمر نفسه المتمثل في سيادة الملكية والأشياء على العالم (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الثالث).
وكتب إنجلز أن أهم أثر لهذا التطور التاريخي كان «تكون طبقة البروليتاريا من خلال الثورة الصناعية»، وبعد ذلك استعرض النظام الدستوري والقانوني الإنجليزي ورفضه لأنه اعتبره: «خليطا معقدا من الأكاذيب واللاأخلاقية»، لا يعلم الكثير عن المجتمع الصناعي الجديد. قال في هذا الإطار:
Bog aan la aqoon