Engels: Muqaddima Qasira Jedaan
إنجلز: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
قدمت دراسات ماركس الاقتصادية، التي عكف على كتابتها مرة أخرى بجدية في خمسينيات القرن التاسع عشر، بعدا تفاؤليا إلى آراء إنجلز حول الحياة السياسية؛ ذلك التفاؤل الذي لم تستطع أن تقدمه له الأحداث الأخيرة وكذلك سياسات الهجرة؛ إذ كان ماركس يعتقد أنه يثبت أن النظام الرأسمالي لا يمكن أن يستمر لفترة أطول. وكان كلاهما يرى أن حدوث أزمة رأسمالية في أوروبا وفي العالم بالفعل هو أساس التقدم الثوري.
بعد عقد من الفقر والمرض والمقاطعات الصحفية، نشر أول جزء منشور من رائعة ماركس، الخاصة بنقد الاقتصاد السياسي، عام 1859. وهذه النسخة (الأكثر إثارة) التي كان مقدرا أن تكون، مع أعمال أخرى، الفصول الأولى للمجلد الأول من كتاب «رأس المال»؛ ظهرت باللغة الألمانية تحت عنوان «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي». وضع ماركس خطة العمل التي كان سيراجعها إنجلز، وطلب ماركس من إنجلز في خطاب بتاريخ 19 يوليو 1859 أن يكتب تعليقا مختصرا حول المنهج النقدي المتبع في العمل، والأمور الجديدة في محتويات ذلك العمل، ومن فرط توتر ماركس أرسل رسالة أخرى بتاريخ 22 يوليو إلى إنجلز يمده فيها بمزيد من الاقتراحات (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد التاسع والعشرون). ظهر جزءان من العمل (والجزء الثالث الذي وعد ماركس بتقديمه عن المحتوى الاقتصادي نفسه للعمل لم يكتب مطلقا)، وأصبح إنجلز على الفور المروج الأول لاكتشافات ماركس في علم الاجتماع، والمعلق الأول على منهجه النقدي. كانت هذه التعليقات أكبر تأثيرا من المحاولة التي فعلها ماركس فيما بعد لترويج أفكاره الاقتصادية من خلال محاضراته عن «الأجور والأسعار والأرباح»، التي ألقاها عام 1865. إن تعليقات ماركس على منهجه - التعليقات المختصرة للغاية التي نشرت في حياته، مثل الخاتمة التي كتبها لكتاب «رأس المال» والتي نشرت عام 1872، والتقييمات الأطول المأخوذة من مخطوطاته والمنشورة بعد وفاته، مثل «المقدمة» التي ظهرت عام 1857، والتي تفتتح كتاب «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» - لم تحظ بالأهمية إلا مؤخرا فحسب.
اتبع إنجلز مرة أخرى نفس المنهج الذي اتبعه في «الأيديولوجية الألمانية» و«البيان الشيوعي» في تناول إنجازات ماركس من خلال تاريخ ألمانيا الاقتصادي؛ فشلها - بعد الإصلاح وحروب الفلاحين - في تطوير ظروف إنتاج الطبقة البرجوازية الواضحة في هولندا وإنجلترا وفرنسا؛ ومن ثم أحرز علم الاقتصاد السياسي في ألمانيا قدرا قليلا من التقدم، ورفض إنجلز الكتابات الألمانية المعاصرة التي تتناول هذا الموضوع واصفا إياها بأنها: «عصيدة مكونة من كافة أنواع المواد الغريبة، مضاف إليها قليل من الصوص الاقتصادي الانتقائي، ومثل هذا المزيج سيكون معرفة مفيدة لطالب كلية حقوق حكومية يستعد لامتحان آخر العام الذي يتم على نطاق الدولة.» وعندما ظهر حزب البروليتاريا الألماني على الساحة (في أربعينيات القرن التاسع عشر)، ولد الاقتصاد العلمي الألماني، وكتب إنجلز فقال إن علم الاقتصاد الجديد كان «يقوم بصورة أساسية على «التصور المادي للتاريخ»» الذي يمكن تطبيقه على «كل العلوم التاريخية.» واستطرد إنجلز فكتب: «في أطروحتنا المادية، نثبت في كل قضية بعينها كيف كان الفعل في كل مرة نابعا من دوافع مادية مباشرة، وليس من العبارات المصاحبة للفعل» (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول). وكانت عبارة «التصور المادي للتاريخ» التي قالها إنجلز هي التي أدت إلى ظهور الماركسية.
في الجزء الثاني من مراجعته النقدية، أضاف إنجلز عنصرا آخر مهما إلى هذه النظرة الأساسية، وهو «المنهج الجدلي» الماركسي. ولتوضيح هذا المصطلح، تحدث إنجلز عن ثلاثة فروق: أما عن الفرق الأول، فقد قارن إنجلز إنجازات هيجل في التعامل مع «التداخل» و«الفئات» في العلوم مع «طريقة التفكير الميتافيزيقية القديمة»، التي وجد أنها شبيهة باستخدام «الفئات الثابتة» التي تعكس «مادية علمية طبيعية جديدة ... لا يمكن تمييزها تقريبا من الناحية النظرية عن نظيرتها في القرن الثامن عشر»؛ وبعد ذلك ربط طريقة الفهم الميتافيزيقية هذه «بالفهم العادي للطبقة البرجوازية»؛ ذلك الفهم الذي «يصاب بالجمود» عند مواجهته بفصل «الجوهر عن المظهر، والسبب عن النتيجة.» وعلى الرغم من إنجازات هيجل في ربط تطور الفكر بالتاريخ العالمي، فإن الفيلسوف الكبير قد أنتج منهجا جدليا «عكس فيه العلاقة الحقيقية وقلبها رأسا على عقب.» لقد كان منهجا «تجريديا ومثاليا»؛ وحده ماركس كان مؤهلا «للقيام بعملية استخراج الجوهر المهم الذي يمثل الاكتشافات الحقيقية لهيجل من المنطق الهيجلي» (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول).
أما الفرق الثاني الذي قدمه إنجلز في مراجعته النقدية، فقد تكون من «المنهج الجدلي» الماركسي الذي انتزعت فيه «السمات المثالية» من المنطق الهيجلي، على الرغم من أنه لم يحدد «الشكل البسيط» الذي أصبح فيه «الجدل» الماركسي يمثل «الشكل الحقيقي الوحيد لتطور الفكر» (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول).
وفي الفرق الثالث حاول إنجلز مقارنة المنهج «التاريخي» بالمنهج «المنطقي» داخل النقد «الجدلي» الماركسي لعلم الاقتصاد، وأعلن إنجلز على نحو عام أن الأحداث التاريخية و«انعكاساتها الأدبية»، أي في النظرية الاقتصادية، تسير «من العلاقات الأبسط إلى العلاقات الأكثر تعقيدا»؛ وبعد ذلك ربط هذا التطور «بالتطور المنطقي للفئات الاقتصادية»؛ ولذلك كان المنهج المنطقي في نقد الاقتصاد السياسي مجرد اختزال «لقفزات وتعرجات» تاريخية، وهو ما تمثل في استبعاد الأمور «الأقل أهمية»، وحذف التاريخ الكامل «للمجتمع البرجوازي»؛ ومن ثم كان «المنهج المنطقي انعكاسا للمسار التاريخي في شكل تجريدي ومتسق نظريا» (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول).
في ظل هذا التحليل المنطقي يكون لكل علاقة اقتصادية - وفقا لإنجلز - «جانبان»، وكل جانب من هذين الجانبين يتم تناوله على حدة، وبعد ذلك يتم تناول تفاعلهما معا، «وسوف تحدث متناقضات ستتطلب حلا في العملية الحقيقية للتفكير»، وليس فقط في «العملية التجريدية للتفكير.» كتب إنجلز أنه يتم التوصل إلى الحلول «من خلال تكوين علاقة جديدة سوف نضطر إلى تطوير كلا جانبيها المتقابلين، وهكذا» (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول).
في افتتاحية مراجعته النقدية، اقتبس إنجلز كثيرا من مقدمة ماركس لكتاب «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي»؛ ذلك الكتاب الذي أوضح فيه ماركس بنفسه «الفكرة الأساسية» التي تقوم عليها دراساته؛ وبعد ذلك جاء تكوين إنجلز لمفهوم «التصور المادي للتاريخ» والفروق المنهجية الثلاثة، عن طريق التفسير. إن تقييم إنجلز النقدي وضع أسس تفسير كتاب ماركس وأسس شرح الماركسية نفسها.
وسواء أكان تأويل إنجلز صحيحا أم لا، فقد كان بلا شك مفسرا؛ ففي حين تحدث فيها ماركس عن «الفكرة الأساسية» الخاصة به، كتب إنجلز عن «التصور المادي للتاريخ». لقد كتب ماركس قائلا إن أعمال هيجل عن الاقتصاد السياسي في «فلسفة الحق» هي التي دعته لحل الشكوك المتعلقة «بما يسمى المصالح المادية» و«المسائل الاقتصادية»؛ وأضاف إنجلز إلى هذا السياق تفسيرا واضحا في ضوء الميتافيزيقا والمادية والمثالية والجدل والتفاعل والتناقض والانعكاس، كما هو موضح في الاقتباسات السابقة. وبينما قرر ماركس الانطلاق «من الخاص إلى العام» في شرحه لرأس المال، دعم إنجلز أطروحة أوسع تخص التاريخ والتطور الفكري للمجتمع الغربي (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول). وفي حين كان ماركس على معرفة تامة بنقد هيجل للمنطق التقليدي، وفي الوقت نفسه كان على معرفة بالخطأ المزعوم المتمثل في فرضيات هيجل المثالية (اعتبار الأفكار هي مكون الواقع)، لا يمكن القول بأنه استطاع توظيف المنهج الذي أوضحه إنجلز. لم يظهر ما كتبه إنجلز أدوات الاستقصاء التي كانت في متناول ماركس في عمله عن الاقتصاد السياسي؛ ذلك لأن ماركس كان يستخدم العديد من الأساليب والأمثلة المبينة للفوارق كلما وجدها مناسبة. أما أسلوب إنجلز المتمثل في التفسير وعقد المقارنات الموضحة للفروق وتقديم الحلول، فقد أعطى انطباعا بأن ماركس كان يعكس فحسب سيرا للأحداث التاريخية بدلا من إخضاع نظرية اقتصادية كبيرة إلى التحليل المنطقي والفلسفي والرياضي والاجتماعي والسياسي والتاريخي. وعاودت مفاهيم المادية والميتافيزيقا والجدل والتفاعل والتناقض والانعكاس، الظهور مرة أخرى بقدر كبير من التفصيل، في كتابات إنجلز التالية، وسوف ألقي الضوء على تلك المفاهيم في الفصلين السادس والسابع.
عندما نشر المجلد الأول من كتاب «رأس المال» في هامبورج عام 1867، نقد إنجلز العمل مرة أخرى دون الإفصاح عن اسمه، وفي هذه المرة نشر النقد فيما لا يقل عن سبع مطبوعات مختلفة ألمانية وإنجليزية؛ مما ساعد في مواجهة صمت النقاد الذين كانوا دائما يواجهون به أي عمل ينشر لماركس. وأعد إنجلز مسودتين نقديتين أخريين لكنهما لم تنشرا في واقع الأمر؛ واعتمادا على تقييم إنجلز لقراء كل مطبوعة، فقد زكى إنجلز عمل ماركس لأسباب مختلفة، لكن معظم القراء أصبحوا يدركون أن إنجلز يقدم دراسة نقدية لأحد الإسهامات المهمة لعلم الاقتصاد السياسي؛ ذلك العمل الذي يفوق إلى حد بعيد أي عمل كتب من قبله. وتكمن إنجازاته الفائقة في تفسير أصل الربح - الذي ظل لغزا لكل علماء الاقتصاد السياسي السابقين، بحسب قول إنجلز - في ضوء فئات مقدمة جديدة هي فائض القيمة وفائض قيمة العمل وشراء قوة العمل. ووصف إنجلز أسلوب ماركس في التعامل مع العلاقات الاقتصادية بأنه «طريقة جديدة تماما تعتمد على المادية والتاريخ الطبيعي»، وقارن تحليله ل «قانون» التطور التاريخي بعمل داروين وعلم الجيولوجيا الحديث بأكمله. وبعض القراء تلقوا بالإضافة إلى ذلك سردا واضحا للاستنتاجات السياسية التي توصل إليها ماركس في أثناء نقده للاقتصاد السياسي حيث قال:
Bog aan la aqoon