Engels: Muqaddima Qasira Jedaan
إنجلز: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
لكن عندما أخذ إنجلز قراءه في «جولات» حول مانشستر، تراجع ذكر القصص المنقولة وطغى على المشهد التاريخ والجغرافيا والجانب الاجتماعي؛ فقد أدركت ملاحظات إنجلز التعقيد في حياة سكان مانشستر - من ناحية الإسكان والصناعة والمواصلات والصحة العامة - وتفاوت الظروف بين سكان المدينة. وكان إنجلز، بطبيعة الحال، رجلا نبيلا يستطيع ارتياد مجالس الأثرياء، لكنه كان شيوعيا يرغب في أكثر من «معرفة «مجردة» بالموضوع فحسب»؛ ولذلك ذهب مع رفاق من الطبقة العاملة وارتاد الأحياء الفقيرة في المدينة (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الرابع)، وكان أحد هؤلاء الرفاق امرأة تدعى ماري بيرنز، وهي عاملة مصنع أيرلندية، وأصبحت عشيقته وظلت كذلك حتى وفاتها عام 1863.
وكتب إنجلز أنه كان من السهل على سكان مانشستر الأغنياء تجنب القيام بتلك الجولات بأنفسهم؛ فالمدينة نفسها مبنية على نحو غريب «حيث من الممكن أن يعيش الشخص بها لسنوات عديدة، ويخرج ويدخل يوميا دون الاحتكاك بأحياء العمال أو حتى مقابلة أحدهم»، ومن خلال «اتفاق ضمني غير مقصود» و«إصرار علني مقصود» أصبحت تلك الأحياء منفصلة عن أحياء الطبقة الوسطى في المدينة؛ فالحي التجاري المركزي يصبح مهجورا في الليل، والضواحي البعيدة تخدمها الحافلات. وبين أحياء الطبقة الوسطى، توجد أحياء الطبقة العاملة التي تغطيها واجهات المحلات بطول الطرق الرئيسية. قدم إنجلز مانشستر باعتبارها نتيجة طبيعية تماما لخيار الملكية الخاصة في المجتمع الصناعي.
أعلم جيدا أن هذا التصميم المنافق شائع إلى حد ما في كل المدن الكبرى، وأعلم أيضا أن تجار التجزئة مجبرون بحكم طبيعة عملهم على الاستحواذ على الطرق الرئيسية الكبيرة، وأعلم أنه توجد مبان جيدة أكثر من المباني السيئة في تلك الشوارع في كل مكان، وأن قيمة الأرض تكون أعلى كلما كانت قريبة من تلك الشوارع مقارنة بقيمتها في الأحياء البعيدة، لكنني في الوقت نفسه لم أر قط حجبا ممنهجا للطبقة العاملة عن الطرق الرئيسية، ولم أر إخفاء بارزا لكل شيء قد يزعج أعين الطبقة البرجوازية أو يثير أعصابها، كما رأيت في مانشستر (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الرابع).
إن المصانع في مانشستر تجاور الأنهار والقنوات في الأحياء التي تعيش فيها الطبقة العاملة، وفي استعراض الجغرافيا التاريخية للمنطقة، التزم إنجلز التحليل الدقيق؛ فكلامه عن مانشستر القديمة كان مزودا برسم يوضح «جانبا صغيرا من تصميم مانشستر» ليظهر «الطريقة غير العقلانية التي شيدت بها المنطقة بأكملها.» قال عن هذا:
من المستحيل أخذ أي انطباع من التكدس العشوائي للمنازل بطريقة تتحدى كل التخطيطات المنطقية، أو من تشابكها على نحو يجعلها حرفيا مكدسة بعضها فوق بعض. وليست المباني الصامدة منذ أيام مانشستر القديمة هي السبب في ذلك؛ فهذه الفوضى بلغت ذروتها مؤخرا عندما امتلأت عن آخرها كل قطعة أرض متبقية منذ أيام طريقة البناء القديمة، وأصبحت مكتظة بالمباني لدرجة أنه لم يعد هناك موطئ قدم من الأرض متاح لشغله (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الرابع).
وصف إنجلز المراحيض القذرة، والأنهار الملوثة، والقمامة وزرائب الخنازير، بالإضافة إلى «الأكواخ ذات الغرفة الواحدة» وسكانها؛ لقد ضرب بكل قواعد النظافة والصحة عرض الحائط عند تأسيس هذه المنطقة. وعلى الرغم من قدم تلك المنطقة، فإن كل ما يثير الرعب والاستياء فيها كان أصله يعود لوقت قريب في عهد الصناعة (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الرابع).
وماذا عن مانشستر الجديدة؟ كانت الصدفة البحتة هي ما حدد طريقة توزيع المنازل في مانشستر القديمة، وقد أطلق على المساحات الموجودة بين المنازل اسم ساحات «لعدم وجود اسم مناسب أكثر»، إلا أن تصميم مساكن مانشستر الجديدة المبنية بحيث تتشارك الجدران الخلفية أسفر عن سوء التهوية. وقدم إنجلز تصميمين، كما لو كانت المنازل مصورة من الأعلى، ليظهر الطريقتين المستخدمتين في تشييد «أكواخ» العمال، ودائما كانت تلك المنازل مبنية بأعداد كبيرة بطول الشوارع والحارات الخلفية التي تكاد تكون غير مرئية. ورأى إنجلز أن أسلوب تشييد المباني الباحث عن الربح في المقام الأول، وكذلك أسلوب إيجارها، تضافرا حتى في طريقة البناء بالطوب؛ فقد استخدموا صفوف طوب متراصة كي يصنعوا جدرانا خارجية ضعيفة ورخيصة التكلفة (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الرابع).
واتفق إنجلز مع المحققين الأوائل الذين عنوا بدراسة حالة الطبقة العاملة، في الخلوص إلى أن «العمال في مانشستر وفي المناطق المحيطة يعيشون كلهم تقريبا في أكواخ قذرة بائسة ورطبة»، حيث «لا تتوافر أي نظافة ولا مرافق؛ ومن ثم فالحياة الأسرية فيها غير ممكنة»؛ فمثل هذه المساكن «لا يمكن أن يشعر فيها بالارتياح والانتماء إلا جنس من البشر معتل جسمانيا، مسلوب الحقوق الإنسانية، مذلول، متدن أخلاقيا وجسمانيا إلى مستوى الحيوانات» (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الرابع).
استعرض إنجلز الحالة البائسة للطبقة العاملة فيما يتعلق بالملبس والطعام وتدخين السجائر والصحة والعلاج والأخلاق وظروف العمل لكل من الكبار والصغار، ورفض قوانين العمل في المصانع واصفا إياها بأنها غير مناسبة ومطبقة على نحو سيئ. وبعد ذلك انتقل بتحليله إلى مستوى أكثر عمومية، وإلى استنتاجات تميل إلى التعميم على نحو أكبر.
أضف إلى هذا البؤس تقلبات الدورة الاقتصادية، الناجمة عن عدم التحكم في عمليتي الإنتاج والتوزيع، اللتين لم تسعيا مباشرة «لتوفير الاحتياجات، وإنما للربح، في ظل نظام يعمل فيه الجميع من أجل مصلحته وكي يحقق لنفسه الثراء.» وكان هذا النظام غير متكافئ وغير منصف في نتائجه؛ «لذلك كان البرجوازي يحتاج بالتأكيد إلى عمال، في واقع الأمر ليس من أجل كسب قوته على نحو مباشر؛ فهو عند الحاجة بإمكانه إنفاق رأس ماله، ولكن باعتبارهم وسيلة للربح، تماما مثلما نحتاج نحن لسلعة تجارية أو دابة نمتطيها» (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الرابع).
Bog aan la aqoon