الحياة كخدمة عسكرية
تعود هذه الاستعارة إلى الفكرة الرواقية القائلة بأن الله يحكم العالم وأننا جميعا، شئنا أم أبينا، في خدمة الله. وعلى الطالب الرواقي أن يحاول أن يقضي هذه الخدمة على أعلى مستوى ممكن. يقول ستوكدال الطيار الأمريكي الذي وقع في الأسر في حرب فيتنام: ... كان مبعث ثقتي هو إدراكي أنني قد وجدت الفلسفة الحقة للفنون العسكرية كما مارستها، كان الرواقيون الرومان هم مبتكري صيغة «الحياة هي الجندية»
Vivere militare . وفي المحادثات يخاطب إبكتيتوس ذلك الفتى الذي جزع لاضطرار الفتيان إلى أن يرتحلوا بعيدا تاركين أمهاتهم يألمن لغيابهم: «ألا تعلم أن الحياة خدمة عسكرية؟ على الواحد أن يبقى للحراسة، وعلى الآخر أن يذهب للاستطلاع، والثالث ينتشر في الميدان. من غير الممكن أن يظل الجميع حيث هم، ولا هو من الأفضل. فمالك تتوانى في تنفيذ أوامر القائد وتشكو إذا بلغك أمر صارم، إنك لا تفهم أي وضع بائس تضع فيه الجيش بقدر ما يتمثل فيك؛ إنك لا تدرك أنه إذا حذا الجميع حذوك فلن يكون هناك أحد يحفر خندقا أو يشيد سياجا، ولا أحد يؤمن الحراسة الليلية أو يقاتل في الميدان، بل الكل سوف يبدو جنديا لا نفع فيه ... كذلك الأمر في العالم؛ حياة كل إنسان هي حملة عسكرية، حملة طويلة متعددة الألوان، وإن عليك أن تلعب دور الجندي. افعل كل ما يأمرك به القائد، مقدسا أوامره ما أمكن ذلك» (المحادثات، 3-24). (10) التقدم على درب الحكمة «التقدم هو الانصراف عن الأشياء الخارجية وتدريب الإرادة على الانسجام مع الطبيعة، وألا نرغب إلا فيما هو في قدرتنا ولا نتجنب ما ليس في قدرتنا اجتنابه، والتيقن من أن من يحيد عن هذا المبدأ الرواقي فإنما يجعل من نفسه ألعوبة في يد الأحداث وريشة في مهب الريح وعبدا لمن بيده أن يمنحه ما يرغب فيه ويمنع عنه ما ينفر منه.
هذا هو التقدم الحق على درب الحكمة. أما مجرد قراءة الكتب للحفظ والاستيعاب فليس شيئا، ولا يستحق السعي والسفر وهجرة الأهل. إنما الغاية الحقيقية من التحصيل الرواقي هي أن نتعلم كيف نخلص أنفسنا من الأسف والإحباط وكيف نتحمل السجن والنفي والأغلال فلا ننوح ولا نولول، بل نتأسى بقول سقراط: «أي عزيزي أقريطون إن كان هذا ما تريده الآلهة فلتكن مشيئتها»» (المحادثات، 1-4).
والتقدم على درب الحكمة لا يكون بغير ثمن.
أوله شيء من «الانسلاخ» عن القطيع وعدم مجاراته في مسلكه ومزاجه. إن لك أن تستمتع بمهرجان الحياة وتشارك فيه، ولكن إذا حضرت مباراة رياضية على سبيل المثال: «فلا تبد حرصا تجاه أي طرف أكثر من حرصك على نفسك! أي أرد الأشياء أن تكون ما تكونه فحسب، وأن يفوز الذي يفوز فحسب. فهكذا تسلم من أي متاعب. ولكن امتنع تماما عن الهتاف والسخرية والانفعالات العنيفة. وعندما تنصرف لا تكثر من التعليق على ما حدث، وعلى ما لا يسهم في صلاح حالك، وإلا بدا من حديثك أنك مأخوذ بالمشهد أكثر من اللائق» (المختصر، 33).
مثل هذا الانفصال المتعمد عن الحشد هو الثمن الذي يدفعه الرواقي من أجل اليوديمونيا
Eudaimonia
والخلو من الانفعالات
dispassion (apatheia)
Bog aan la aqoon