أهمية حنان الأم في تربية الطفل وتميز نساء قريش بذلك
حينما امتدح النبي ﵌ نساء قريش قال: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش) يعني: الصالحات المتدينات من نساء قريش، ثم ذكر المؤهلات اللاتي استحققن بها هذا الثناء من النبي ﵊ فقال: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش؛ أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده)، فهن أكثر الناس حنانًا على أولادهن، وهذا أمر في غاية الأهمية؛ لأن الطفل يحتاج إلى الحنان حاجة ماسة، ومع كل وجبة إرضاع ينبغي أن تقدم الأم للطفل وجبة حنان وحب وعطف، وكل هذه الأمور من الاحتياجات الأساسية للطفل.
الطفل ينمو، وكما ينمو في جسمه تنمو روحه وعاطفته وإدراكاته، فمما يحتاج إليه الطفل باستمرار: وجبة الحنان، وإلا سهل جدًا الإرضاع.
فقد تقوم به الزجاجة، أو الخادمة، لكن المرأة التي ترضع ولدها يشتد الالتصاق بينها وبينه، ووجودها أساسي جدًا في الإشباع العاطفي والوجداني الذي ينعكس انعكاسًا كبيرًا عليه، لذا فإن أخطر السنوات في تشكيل شخصية الطفل هي السنوات الخمس الأولى، ثم يليها الثلاث السنوات التالية، فينبغي أن يهتم بتربيته وقتها أشد الاهتمام.
إن الأم التي إذا أرادت أن ترضع ولدها تصرخ فيه، وترضعه بطريقة ميكانيكية آلية قد حرمته من وجبة الحنان، وهي تظن أنه قطعة لحم لا يحس بشيء، ونحن نقول: إن الطفل يحس بكل شيء، يحس بأمه وهو في بطنها، فيحس بها إذا كانت سعيدة أو كئيبة، ولذلك فإن الأم أثناء فترة الحمل محتاجة إلى توجيهات كثيرة جدًا؛ لأنها تختزل فترة من فترات تربية الطفل عن طريق أنها تكلمه وتقوم بعمل حركات معينة على بطنها بحيث يألفها ويحفظ صوتها، وربما سمعتم أن بعض الأمهات الفاضلات كانت دائمًا تسمع القرآن الكريم، والطفل في بطنها، فسرعان ما حفظ القرآن مبكرًا جدًا؛ وذلك لأن الطفل ليس في غفلة، بل يحس بأشياء كثيرة نتغافل عنها، ونحقر من إمكاناته، والحقيقة غير ذلك تمامًا.
الشاهد: أن هذا وسام وشرف وضعه النبي ﵊ على نساء قريش، وكافأهن بهذا المديح العظيم على لسانه ﷺ وذلك لسببين.
أحدهما: (أحناه على ولد في صغره)، وهذا فيه لفت نظر إلى أهمية الحنان، والأطباء أو الأخصائيون النفسيون حينما يدرسون حالة من حالات الانحراف عند المريض يكون هناك سؤال أساسي جدًا: هل الرضاعة تمت في صغرك بطريقة طبيعية أم بطريقة صناعية؟ لأنه لو حرم من الرضاع فسوف ينعكس هذا على نفسه، وهذا نوع من الحرمان.
ثم الفطام: كيف فطمت من الرضاع؟ وأغلب الناس لا يتذكر؛ لكن لو أمكن اجترار هذه المعلومات من الأقارب أو الأم فإنها تكون مفيدة.
فالأزمات النفسية توضع جذورها في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل، ثم بعد ذلك تليها في الأهمية مرحلة أخرى تستمر إلى ثمان سنين، ثم تنتهي تقريبًا عند سن الثامنة عشرة، إلى هنا تكون كل مقومات الشخصية قد تكونت لديه، وما يستقبل فهو انعكاس لما مضى في خلال هذه الفترة، والتجارب التي مر بها، والأسلوب الذي ربي به.
هذه لفتة عابرة لخطورة العملية التربوية.
1 / 18