Wadooyinka Ka Dib Casriga
دروب ما بعد الحداثة
Noocyada
73
والبعض الآخر رأى أن إعلان بارت به نوع من الافتعال غير المبرر، وأنه لا يمكن بحال تجاوز المؤلف، كما لا يمكن إلغاء السياق الثقافي والاجتماعي الذي يدور النص في فلكه. كما أن بارت في تحليلاته اللغوية كانت تسيطر عليه، في بعض الأحيان، نزعة صوفية واضحة تجاه النص، جعلت الكثير من تلك التحليلات يبدو غير مفهوم، ومواقفه تبدو متناقضة في الكثير من الأحيان.
74
وعلى الرغم من أن تحليلات بارت بالفعل كان لها الأثر الأهم في أن تخطو الجماليات خطوات متقدمة في نهايات القرن العشرين، خاصة في مجال النقد الأدبي، إلا أن إعلان بارت موت المؤلف لم يكن مقنعا بالدرجة الكافية، وأسقط النقد الأدبي فيما أطلق عليه بارت حتمية الشكل، والذي ترتب عليه الاهتمام المفرط بالعلامات والدوال المستخدمة، وما تبع ذلك من الإغراق في التجريد، وافتقاد الشاعرية في التحليل، وصعوبة اللغة المستخدمة. إن من مقتضيات تمام العملية الإبداعية أن تكون هناك صلة نفسية ومعرفية بين أطرافها: المؤلف، النص، القارئ وذلك يتيح «حرية للقارئ في إعادة بناء النص، وإذا انتفت المسافة النفسية افتقد القارئ القدرة على ممارسة خبرة الإبداع في تذوق العمل الفني، وأضحى العمل الفني نوعا من التغييب للقارئ، بينما تتيح المسافة النفسية أن يكون حضور القارئ مساويا لحضور المؤلف لكي يدير حوارا معه.»
75
فكيف يحدث ذلك إذا افترضنا موت أحد أطراف عملية الإبداع وهو المؤلف.
لقد ألغى إعلان بارت تأثير الذات الإنسانية الفاعلة، والتي هي حصيلة التفاعل العام والشامل مع الوجود، وبذلك أصبح المنظور البنيوي للوجود لا علاقة له بكينونة الإنسان التاريخية والاجتماعية، بل بالعلاقات اللغوية الشكلية التي تعتمد المنهج الجمالي المجرد للأشياء التي تتشكل دلالاتها ذاتيا دون فعل الإنسان.
76
ورغم أن السيميوطيقا قد اعتمدت بصورة كبيرة على الإجراءات التي قدمها بارت إلا أن السيميوطيقيون قد أدخلوا تعديلات جوهرية على رؤية بارت تسمح بتجاوز مقولته عن موت المؤلف، وكذا مقولته عن لذة النص.
فالعمل الفني، كما يذهب إلى ذلك موكارفسكي، لا يمكن مساواته بأي شكل من الأشكال بالحالة النفسية لمنشئه، ولا حتى للظروف الاجتماعية التي ظهر فيها. العمل الفني مستقل عن ذلك بالفعل. غير أن الشيء الذي يمثل العمل الفني في عالم الواقع يظل قائما، وهو متاح لكل فرد كي يدركه بدون قيد أو شرط. فلا بد أن تحيل العلامة إلى شيء ما. الفن علامة مستقلة خاصيتها الأساسية قدرتها على أن تستخدم وسيطا بين أعضاء نفس الجماعة. وبالرغم من أن بعض العلامات لا تحيل إلى شيء معين إلا أنها يمكن قراءتها من خلال السياق الكلي الذي ظهرت فيه؛ أي الظواهر الإنسانية من فلسفة وسياسة ودين واقتصاد. وهذا هو السبب الذي يجعل الفن أكثر قدرة على تمييز عصر بعينه وتمثيله دون غيره من الظواهر الاجتماعية الأخرى، وهذا يفسر أيضا السبب وراء اختلاط الفن طوال تاريخه بتاريخ الثقافة، والعكس صحيح أيضا؛ فقد ذهب التاريخ العام إلى استعارة تقسيم تاريخ الفن في تحديد الحقب الزمنية. وبالإضافة إلى ذلك يذهب موكارفسكي إلى رفض النظريات الجمالية المبنية على الفرضية التي تقول إن غاية الفن هي اللذة. فالعمل الفني قد يولد لذة ما تكتسب موضوعية نسبية باعتبارها «دلالة إضافية» كامنة في العمل الفني، ولكن يكون من الخطأ إذا ما تم استخلاص نتيجة من ذلك مفادها أن هذه اللذة تكون جزءا لازما وضروريا من عملية إدراك العمل الفني. فالفن ينزع في بعض مراحل تطوره إلى إثارة اللذة، غير أن هناك مراحل أخرى لا تكترث باللذة كلية، بل تنحو إلى محوها وإثارة مشاعر مضادة لها.
Bog aan la aqoon