138

Wadooyinka Ka Dib Casriga

دروب ما بعد الحداثة

Noocyada

illisibilité ، ولا يعني هذا المصطلح عنده استحالة القراءة، بل هو وصف للنصوص التي لا تقبل قراءة واحدة؛ أي النصوص اللامنغلقة «إنني لأتصور أن القصة المقروءة هي تلك التي نعلن بعد قراءتنا لها أنها لا تقرأ.»

36

والطريق الثاني، ألا يتدخل الكاتب في عملية القراءة بأي صورة من الصور كأن يؤيد وجهة نظر على أخرى أو معنى على معنى آخر، أو يقول «لست أقصد هذا بالضبط» أو «لقد أسأتم فهم مقصدي» ... إلخ. هذا التدخل كفيل بإفساد عملية القراءة وتحويل مسارها التعددي. يقول أمبرطو إيكو

U. Eco (1932-2016م) معبرا بوضوح عن هذا المعنى: «... ففي نص لكانط لا يمكن القول إنه استخدم كلمة ما ليوحي بفكرة ما؛ فهو يفرض فكرة واحدة وفكرة واحدة لا غير. أما بخصوص النص الأدبي، كنصوص بروست على سبيل المثال، فإننا إذا بحثنا عن الهدف وراء استخدام النص لكلمة ما، وتوصلنا لاستنتاج محدد، ثم سألنا الأديب عن صحة استنتاجنا هذا، لكان جوابه، إذا ما كان أمينا: ربما، أنا لا أدري، قد يكون الأمر صحيحا أو خاطئا لكن التأويلين صحيحان ... إن غاية كل فيلسوف الوصول إلى صياغات شبه رياضية. وبعكس ذلك إن حلم الأديب هو أن يحيط الكلمات بهالة من الغموض، ليس ذلك جريا وراء الغموض، بل لأن دوره يتمثل في تصوير كيف أن كل عاطفة وكل حالة هي متناقضة وغامضة. فإذا ما قرأنا الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الأكويني وجدنا أن الله خير والشيطان شرير وانتهى الأمر. لكن لنقرأ الفردوس المفقود لملتون ولنطرح السؤال: هل الشيطان شرير؟ ليس هذا أكيدا، يجب التعمق في المسألة. وإذا ما طلبنا من ملتون مزيدا من التوضيح سيجيبنا: لتقرءوا الخلاصة اللاهوتية.»

37

يفرق إيكو هنا بين أسلوبين للكتابة: الأسلوب الفلسفي الذي يتخذ من الصياغات الرياضية هدفا له؛ أسلوب ينشد الوضوح والتميز، يخاطب العقل، يسعى لتحديد المعنى وحصره في أضيق حدود ممكنة. وهذا الأسلوب هو المتبع في الكتابة الفلسفية على مختلف العصور، فهو ذاته الأسلوب الذي عبر به ديكارت وكانط وهيجل ومن قبلهم أفلاطون وأرسطو. هناك بالطبع استثناءات لبعض الفلاسفة الذين حاولوا التعبير بأسلوب مختلف يقع على التخوم بين الأسلوب الفلسفي والأدبي، غير أن هذه المحاولات ليست سوى محاولات فردية وتظل الغلبة في النهاية لأسلوب التعبير الصارم الذي ينشد الدقة ويهدف إلى الوضوح والتميز. أما الأسلوب الثاني فهو الأسلوب الفني الذي يعمد الالتباس والغموض، ولا يقدم المعاني الجاهزة المباشرة، بل يستفز ملكة التأويل لدى المتلقي ويشحذ قدراته النقدية. جاء بارت إذا ليقول إن النص أنتج في مكان وزمان مجردين، وإن الفنان ما إن يضع فرشاته أو قلمه وينتهي من عمله، فإن مهمته قد انتهت. وبالتالي لن يفيدني كثيرا أن أقرأ اسم المؤلف على الكتاب. ينتهي دور المؤلف ويكون من باب الخيانة أن يقوم بترجيح تفسير على تفسير آخر.

والعمل الفني ما إن يتحرر من منتجه يعتبر بنية مستقلة عنه لها عالمها الخاص. ويعبر هارولد بنتر عن هذا المعنى قائلا: «أحيانا يقول لي المخرج أثناء جلسات التحضير للعمل: «لماذا تقول هذه المرأة تلك العبارة؟» فأجيبه: «انتظر لحظة حتى أرجع إلى النص.» وهكذا أعود إلى النص وربما أقول «إنها تقول ذلك لأن ذلك الرجل قال تلك العبارة قبل صفحتين» أو أقول «لأنها تعبر عما تشعر به، أو لأنها تشعر بشيء آخر ولذلك تقول هذه العبارة، أو أقول لا أعرف السبب على الإطلاق ولكن علينا أن نعرف بطريقة ما».»

38

ثمة صراع دائم بين المؤلف ونصه، وهذا الصراع يحسمه النص في نهاية الأمر «فإذا وضع الكاتب مخططا هندسيا لشخصياته، وحافظ على التزامه به بصرامة، ولم يتح لها في أي وقت أن تفسد خططه، ونجح في السيطرة التامة عليها، فإنه يكون أيضا قد قتلها، أو بالأحرى أنهى ميلادها، فأصبحت بين يديه مسرحية ميتة.»

39

Bog aan la aqoon