136

Wadooyinka Ka Dib Casriga

دروب ما بعد الحداثة

Noocyada

فإذا افترضنا مع فرويد أن العمل الفني ما هو إلا انعكاس لحياة الفنان وتجاربه النفسية وحياته الشخصية فإن هذا الافتراض يلغي تعددية العمل الفني ويجهض إمكاناته التأويلية؛ لأنه في تلك الحالة سيكون ثمة معنى واحد للعمل الفني، وسيفقد العمل الفني قيمته وخلوده في الزمن، سيفقد هالته وبريقة إذا شئنا أن نستخدم مصطلحات فالتر بنيامين؛ إذ يكفينا في تلك الحالة أن نعرف الدلالات السيكولوجية للعمل الفني وعلاقتها بحياة الفنان ليترسخ لدينا في نهاية الأمر أننا أحطنا بالعمل الفني في مجمله، وأننا لسنا بحاجة للعودة إليه؛ فقد استنفد غرضه. وهكذا فعل فرويد في تعامله مع دافنشي، فمن منا بعد قراءة هذا التحليل يرغب في العودة إلى دافنشي ورؤية أعماله، فالمعنى قد تم كشفه، وما كان محتجبا بالنسبة إلينا أصبح الآن واضحا وجليا. هذا هو الحال إذا اعتمدنا التحليل النفسي للفن كما قال به فرويد وأصحاب نظرية التحليل النفسي.

لنأخذ معا هذا المثال الكاشف: لنفترض أن كاتبا ما ينتمي إلى أيديولوجيا سياسية أو دينية تختلف عن تلك التي ينتمي إليها القارئ. غير أن هذا الكاتب قد قام بكتابة نص بديع من الناحية الجمالية، فما الذي سيحدث في هذه الحالة؟ من المؤكد أن السيرة الذاتية للكاتب ستطغى على الجانب الجمالي المتحقق، وعوضا عن الاستغراق في الحالة الجمالية التي يفرضها النص، والتي هي في الأساس هدف الفنان، سيبحث القارئ بكل حماس عما يؤيد وجهة نظره وموقفه النفسي والأيديولوجي منه، وتلك لن تكون سوى قراءة مختزلة للعمل تفقده مستوياته الدلالية وتحوله إلى بنية منغلقة تفتقد تعددية القراءة وانفتاحها.

وقد استطاع تي إس إليوت

T. S. Eliot (1888-1948م) التعبير عن هذا المعنى في مقال له بعنوان «التراث والموهبة الفردية» عندما أكد أن «الانطباعات والتجارب المهمة للإنسان قد لا يكون لها دور في عمله، بينما الانطباعات والتجارب المهمة في شعره يمكن أن تلعب دورا، حتى لو كان ضئيلا، في شخصية الإنسان.»

30

ويمكن أن نضرب مثالا آخر يوضح هذا المعنى؛ فربما نشعر بالإعجاب تجاه مجموعة من الكتب التي تحتوي على قيم أخلاقية نبيلة كالشجاعة والوفاء والإخلاص، لكننا نكتشف بعد ذلك أن من كتبها لا يتمتع بأي صفة منها، فهل يجوز لنا الخلط بين العالمين؟ ربما صاغ بارت أطروحته عن موت المؤلف للإجابة عن هذا السؤال تحديدا. فالتعارض بين العالمين لا يمكن أن يقلل من أحدهما، فلنا أن ننتقد مواقف الكاتب الواقعية، لكن هذا النقد لا ينبغي أن ينسحب على مؤلفاته. حقا إن الحياة الخاصة للكاتب من الممكن أن تكون ذات جاذبية حكائية كبيرة جدا، ويمكن أن تفسر كيف ولماذا ظهرت الكتب إلى حيز الوجود؛ وغالبا ما تفعل ذلك. لكنها ليست ذات أهمية بالنسبة إلى القيمة الأدبية لكتبه، أو لمعناها، مثلما أن الحياة الشخصية لعالم الفيزياء ليس لها قيمة بالنسبة لقبول أو رفض أفكاره عن نظرية الكم أو بنية الذرة.

العمل الفني، وفقا لبارت، مستقل تماما عن مبدعه. والمؤلف دوره ينتهي بكتابة النص، والعبء يقع بعد ذلك على القارئ في عملية القراءة، عبء اقتناص المعنى في تعدديته واختلافه، وهذا ما يجعل القارئ مشاركا في عملية إنتاج النص. فدور القارئ لا يقل أهمية عن دور المؤلف، ولا يمكن فصل عملية القراءة عن الكتابة؛ إذ هما متلازمتان. والقارئ هو الذي يقرر معنى النص من خلال استرشاده بالعلامات التي يستخدمها المؤلف، لكنه لا يتقيد بها، ويمكنه أن ينتصر، من خلال النص، للمعنى الذي تستحضره العلامات في ذهنه، والذي يمكن أن يتغير من يوم لآخر ومن قارئ لآخر.

إن الخطوة الإجرائية الأولى للتعامل مع النصوص وفقا لبارت هي التخلص من الفروض المسبقة، وهي خطوة تذكرنا بالفينومينولوجيا.

31

فوسيلة مقاربة العمل الفني الانطلاق من بنيته الداخلية بهدف استكشاف الأنظمة أو العلاقات التي تشكل دلالاته، من داخل النص إلى خارجه، وليس من خارجه إلى داخله، عبر افتراضات مسبقة تتمثل بالمؤلف والسياق والعصر والبيئة، وقد ذكر بارت في «النقد والحقيقة»

Bog aan la aqoon