Durr Manzum
الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم
Noocyada
فهذه ألوكة (1) وجهناها إلى مقامة ومقالة جديرة باتحافه وإكرامه، تجوب إليه أرضا بعد أرض، وتنبري لوجهتها لقطع مسافتها بين رفع وخفض، وتقتحم إليه الأخطار، وتعبر في الفلك على متون البحار، إلى أن تنتهي إن شاء الله بحضرته الشريفة، وساحته المرتفعة، وتسمو إلى أن تصير بمرتبته المنيفة، مؤدية لمسنون المواصلة، مهدية لكلم من الحكمة، ينبغي أن تعد أسنى صلة، آملة أن تتلقى بالقبول والاستبشار والإقبال، وأن تعامل بالتكرمة وحسن النزول والإجلال، وأن يقف المقام عليها وقوف متأمل لمعانيها، وتدبر لحسن سياقها، وقوة مبانيها، معرفة للمقام بما لا يعزب عن مثله، ولا يشذ عن راسخ حلمه وباذخ فضله، لكن نورده من قبيل التذكير والتنبيه، على كيفية غير خالية عن إبراز تعليل وتوجيه.
فنقول: إن الله سبحانه وتعالى بعث نبيه، وصفيه، وخيرته من خلقه ووليه صلى الله عليه وآله وسلم مبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فنشر الإسلام، وبلغ الأحكام، وفرق بين الحلال والحرام، وجاهد الكفرة المردة الطغام، وما زال لأمته ناصحا، وعن ملته مكافحا، حتى أعلا الله كعبه، وسر قلبه، وكثر صحبه، وأعز حزبه، ثم قضى بعد ذلك نحبه، ولقي في حلل السعادة الأبدية ربه، وكان من مقتضى الحكمة الإلهية، انقطاع الوحي حينئذ بالكلية، وأن يكون صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبوة والرسالة، وآخر الأنبياء وجودا، وإن كان أقدمهم فضلا وجودا، لا محالة، وحيث لا غنية للأمة عن رئيس يرجعون في أمور دينهم إليه، ويعتمدون في المصالح الدينية عليه، شرع الله سبحانه الإمامة وجعلها للنبوة خالفة، وشد بها أزر الإسلام، وقمع بها مجانبه ومخالفه، وأصلح بها الأمور، ونظم بها أمر الجمهور، وحفظ بها الشرع ووظائفه، لكنه جعل لها شرائط معلومة، وشرع لها فرائض على المسلمين محتومة، ولم يجز أن يكون في العصر الواحد إلا إمام، ولا شاع أن يتصدى لها إلا من جمع أوصافها على الكمال والتمام؛ شعرا:
Bogga 379