292

Durr Manzum

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

وبيان إمكانه إصابة النافي والمثبت معا بأن نقول: لا مانع من أن يكون مدعي الإمامة كامل الشرائط في الظاهر، جامعا لها، محيطا بأنواعها وأقسامها، ويكون مع ذلك منطويا في باطن الأمر على أمر تختل به الإمامة، وتبطل معه أحكام الزعامة، من قلة ورع، أو كثرة طمع، أو كذب في الأخبار، أو نقض للعهود الكبار، أو ارتشاء في الأحكام، أو هدم لشيء من قواعد شرع الإسلام، أو ارتكاب لمحظور، أو تهور في نوع من المحذور، أو عدم إصابة في كثير من الآراء، أو اعتماد في تصرفاته للأهواء، أو غير ذلك من أنواع الاختلال التي فرضها ليس من قبيل المحال، ولكنه مع ذلك كثير التصنع والتستر، مبالغ في عدم التضمخ بذلك رأي العين والتظهر.

فلما اختبره المثبت لم يبن له إلا محاسنه الطاهرة، وأوصافه الحسنة المتكاثرة، فحينئذ امتثل ما يلزمه من مبايعته ومتابعته، وطاعته ومناصرته، ولو عدل عن ذلك لكان آثما ولقاعدة دينيه هادما، فلا شك أن الصواب في حقه الإثبات والإتباع، والطاعة والاستماع، ولكن ليس له أن يقطع بمغيب ذلك الإمام، ومطابقة باطنه لظاهره، لأن العصمة مرتفعة، وطرق التجويز كثيرة متسعة، إلا أن فرضه الحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.

وأما النافي لإمامته فإنه لما اختبره حق الخبرة، وأمعن النظر في تبطن أحواله، وتفهم وظائفه وخلاله، اطلع منه على بعض هفواته، ونوع من عثراته القاضية بعدم صحة دعواه، وقلة نفعه فيما ترشح له وجدواه.

ومهما تكن عند امريء من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

مع أن هذا النافي قد عرف كماله الظاهر، وبصر باشتماله بادي الرأي على المحامد والمفاخر، لكن اطلع في خلال ذلك على العيوب، وانكشف له سرها المحجوب، فحينئذ صار فرضه رفضه ومجانبته، واطراحه ومباينته، ويكون لربه بذلك مرضيا، ولما أوجبه عليه مؤديا، ولو عدل عن ذلك لكان مقتحما للمهالك، وسالكا في أمر دينه أوعر المسالك.

Bogga 305