109

Duroos of Sheikh Muhammad Isma'il Al-Muqaddim

دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم

Noocyada

حكم استماع الغيبة
ومن الأمور المهمة جدًا أن مستمع الغيبة والمغتاب كلاهما شريك في الإثم، فإذا تواجدت في مجلس تدور فيه الغيبة كما يدار بالفاكهة على رواد المجلس فلا تظن أنك تبرأ من مثل هذا المنكر، بل لابد أن تزيله أو تزول عنه، أما أن تجلس ساكتًا فمجرد استماعك يجعلك شريكًا في هذه الغيبة.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (جاء الأسلمي -يعني: ماعزًا - إلى رسول الله ﷺ، فشهد على نفسه بالزنا أربع شهادات، يقول: أتيت امرأة حرامًا، وفي كل ذلك يعرض عنه رسول الله ﷺ إلى أن قال في الحديث: إن الرسول ﵊ قال له: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به رسول الله صلى الله ﷺ أن يرجم فرجم، فسمع رسول الله ﷺ رجلين من الأنصار يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يدع نفسه حتى رُجم رجم الكلب، فسكت رسول الله ﷺ، ثم سار ساعة فمر بجيفة حمار شائل برجله)، وجثة الحمار لما تتعفن وتتجيف تزيد الغازات في داخل البطن، والعضلات تشتد جدًا وتتيبس، والجثة ملقاة في الأرض، والحمار رافع رجليه من التعفن، كل هذا كناية عن شدة التعفن والنتن في هذه الجيفة، قال: (فسكت رسول الله ﷺ، ثم سار ساعة فمر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان -يعني: هذين الرجلين اللذين تكلما بهذا الكلام- قالوا: نحن ذان يا رسول الله! فقال لهما ﵊: كلا من جيفة هذا الحمار! فقالا: يا رسول الله! غفر الله لك، من يأكل من هذا؟ فقال رسول الله ﷺ: ما نلتما من عرض هذا الرجل آنفًا أشد من أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده! إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها)، فالشاهد من هذا الحديث قول النبي ﵊: (ما نلتما من عرض هذا الرجل آنفًا أشد من أكل هذه الجيفة).
فأول شيء نسب الوزر إليهما جميعًا، مع أن الذي تكلم هو واحد؛ كان يحدث الذي بجواره، والذي بجواره سكت، فمعناه أنه صار شريكًا له في الإثم؛ لأن السكوت علامة الرضا.
فلو قلت للمغتاب: اتق الله، فستكون قد برئت من المعصية، لكن حين تسكت أو تستحي فأنت شريك في الوزر، ومثلك مثله ولا فرق، ولذلك قال لهما: (كلا من جيفة هذا الحمار!)، وقال لهما: (ما نلتما من عرض هذا الرجل آنفًا أشد من أكل هذه الجيفة)، يعني: أن الأكل من الجيفة أخف؛ لأن الإنسان لو أكل من جيفة الحمار المنتن لم يؤذ مسلم، ولم ينتهك عرض مسلمًا، ولم تتعلق بذمته حقوق العباد، فلا شك أن أكل لحوم الحمر المتجيفة والمنتنة خير من أكل لحوم البشر؛ لأن أكل لحوم البشر يترتب عليه هذه الأشياء التي ذكرنا.

6 / 12