Duroos of Sheikh Abdullah Al-Jalali
دروس للشيخ عبد الله الجلالي
Noocyada
الدعاء بالسلامة والنجاة من عذاب جهنم
فقارن -يا أخي- بين هؤلاء وعباد الرحمن الذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا في الليل، فأحدهم يقوم فيقرأ السورة الطويلة، ويتململ بين يدي الله ﷿ ويحني ظهره لله ﷿، والدموع تتساقط على الأرض من خشية الله، ويسجد ويضع أشرف أعضائه على الأرض خشية وذلة لله ﷿، والعجيب أن هؤلاء بالرغم من خوفهم من الله ﷿ وعبادتهم الطويلة لله ﷿ يهجرون المنام؛ لأنهم يخافون من الآخرة، فاسمع إلى قول الله ﷿ عنهم: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾ [الفرقان:٦٤ - ٦٥] أي أنهم يخافون من النار.
فما هو موقف الذين يبيتون أمام الأفلام والمحرمات وأمام الفواحش والزنا والخمور والمصائب العظيمة والمخدرات؟! فهؤلاء يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا ويقولون: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) وأولئك البعيدون يبيتون على ما حرم الله، ولا يقولون: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ)، وكان المنطق أن يقول هذه المقالة الذين يبيتون عصاة لله ﷿، لكن الحقيقة أن الذي يقولها هم الذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا؛ لأن الذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا هم الذين عرفوا الله ﷾ من خلال قيام الليل، ومن خلال الخلوات في ظلمة الليل، فإذا أسدل الليل جنحه وأرخى أستاره قاموا خاشعين لله ﷿، فعرفوا الله ﷾، وخافوا من عذابه، فإذا أنهوا عبادتهم قالوا: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) أما أولئك فكما قال الله ﷿ عنهم: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة:٦٧]، وقال: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر:١٩]، فهم في غفلة وأحدهم نائم يغط في نوم عميق لا يستيقظ إلا حينما يأتي ملك الموت ليجلس عند رأسه ليقبض هذه الروح، وحينما يأتي ملك الموت ليقبض هذه الروح من ذلك الجسد يقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠]، فيقال له: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون:١٠٠].
إذًا الذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا هم الذين يقولون: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ)، وهم الذين يخافون من جهنم، ويعتبرون جهنم أقسى عقوبة؛ لأنها غرامة لا تفارق الإنسان، كما لا يفارق الغريم غريمه، وإنما يطالبه حتى يأخذ حقه منه، فالنار تتابع هؤلاء حتى تأخذ حق الله ﷿ منهم.
وفي سورة المؤمنون ذكر الله ﷿ صفات عظيمة راقية للمؤمنين، ولما ذكرها قال عنهم ﷿ بعد ذلك: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون:٦٠]، تقول عائشة ﵂: (قلت: يا رسول الله! ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون:٦٠] أهم الذين يزنون ويسرقون ويفعلون الفواحش ويخافون؟ قال: لا يا ابنة الصديق، هم قوم يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل ذلك منهم).
إذًا هناك فرق بعيد بين عباد الرحمن وعباد الشهوات، فعباد الرحمن بالرغم من طاعتهم لله ﷿ وبالرغم من هجرهم ألذ متع الحياة الذي هو النوم والمتاع الذي يكون على الفراش هم خائفون.
فيا أخي! أولى لي أنا وأنت حين فرطنا في كثير من أوامر الله ﷿ أن نخاف، وأن نكثر من قولنا: (ربنا اصرف عنا عذاب جهنم)، وأولى بذلك البعيد الذي أمضى حياته كلها في معصية الله ﷿ بعيدًا عن طاعته يركب كل ما عن له وطاب ولذ من معاصي الله ﷿ ولا يقف عند حد من حدود الله، أولى به أن يقول: (ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا)، وذلك بعد أن يقدم الطاعة المطلقة لله ﷿، والتوبة والإنابة قبل أن يحضر الأجل.
قال ﷿: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان:٦٥ - ٦٦] أي: ساء من استقر بها، وساء من أقام بها، فهي مصيبة عظيمة لا تصيب إلا أعداء الله ﷿، وهي أسوأ ما يعذب الله ﷿ به عباده، فقد ساءت مستقرًا وساءت مقامًا.
11 / 7