224

Duroos of Sheikh Abdullah Al-Jalali

دروس للشيخ عبد الله الجلالي

Noocyada

استبدال الأمن بالخوف
إن بعد استقرار الدين يكون الأمن، ولذلك الله تعالى لما قال: ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ [النور:٥٥] قال: ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور:٥٥]، فقد تكون الأمة خائفة، وقد تكون الأمة تسير على منهج صحيح وعلى دين قويم ولكنها ما زالت خائفة امتحانًا وابتلاءً من الله ﷿، ولذلك يقول المفسرون في سبب نزول هذه الآية: جاء الصحابة ﵃ إلى رسول الله ﷺ وقالوا: يا رسول الله! إلى متى ونحن نحمل الحديد -أي: السلاح- لا يستطيع أحد أن يقضي حاجته إلا وهو يحمل السلاح! وكما روى خباب بن الأرت ﵁ يقول: (جئنا إلى رسول الله ﷺ ذات يوم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله! ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فجلس الرسول ﷺ قاعدًا وقال: لقد كان يؤتى بالرجل فيمن كان قبلكم فيحفر له في الأرض، ثم يوضع المنشار على مفرق رأسه، فيقسم إلى قسمين، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصرفه ذلك عن دين الله، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون) هذا الوعد تحقق، فسار الراكب لا من صنعاء إلى حضرموت فحسب، وإنما سار الراكب من بلاد الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا إلى جبال البرانس شمالًا لا تستوقفه دائرة جوازات تقول له: من أنت؟ وإذا قيل له: من أنت؟ يقول: أنا مسلم.
ولا تستوقفه مراكز تبحث عن شخصيته؛ لأن شخصيته أنه المسلم الذي لا يستطيع أحد أن يقف في طريقه، ليست هناك حواجز ولا حدود صنعها البشر كما يوجد في أيامنا الحاضرة، ولكن كما قال الله ﷿: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الأنبياء:٩٢] سار الراكب عبر هذا الخط الطويل لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه؛ لأنه تحققت الشروط التي التزم بها المسلمين أمام الله ﷿، إيمان، وعمل صالح، وعبودية لله ﷿، وتوحيد لله ﷾، فلم يصرف نوع من هذه العبادة لغير الله ﷾، فتحقق الوعد، واستقرت الأمور، وقامت الخلافة في الأرض، وتمكن الدين في نفوس الناس، فأصبح أحدهم يسابق الشمس على مطالعها ينشر الإسلام، ولذلك ثبت في حجة الوداع أن من حج مع رسول الله ﷺ كان عددهم مائة ألف وأربعة وعشرين ألفًا من المسلمين، فأين قبور هؤلاء الذين يزيدون على مائة ألف من المسلمين؟ لم نجد في الجزيرة العربية إلا قبورًا معدودة بالأصابع، تلك قبورهم في أنحاء العالم ينشرون الإسلام، أخرجهم الله ﷿ لإنقاذ هذا العالم من عبادة العباد إلى عبادة الله ﷿، وانتشروا في الأرض يبشرون بدين الله، وينشرون دين الله ﷿ في الأرض، كان أحدهم يتمنى الشهادة أكثر مما يتمنى متاع الحياة الدنيا الناس في أيامنا الحاضرة، وكان أحدهم يرمي تمرات كانت في قرن معه وهو يأكل منها في غزوة بدر ويقول: (والله إنها لحياة طويلة لو عشت حتى آكل هذه التمرات).
من هنا استقرت الأمور، ومكن الله ﷿ هذا الدين في قلوب أولئك القوم، ثم مكن الله ﷿ لهذا الدين في هذه الأرض فشمل أكثر المعمورة، وبالرغم مما يلاقيه العالم الإسلامي اليوم من طغيان وإبادة نجد أن العالم الإسلامي -والحمد لله- ما زال بخير، وفي مقدار ما يوجد من تبشير وتنصير وتهويد هذه الأرض نجد -والحمد لله- أن الإسلام يسابق الشمس على مطالعها، في منطقة واحدة لم يصل إليها داعية من الرعيل الأول ولا جيش من جيوش المسلمين يعيش الآن أكثر من مائتي مليون مسلم في جزر الملايو، وفي البلاد التي استهدفت الآن ما زال الإسلام فيها عزيزًا والحمد لله.
أقول: إن الإسلام ما زال -والحمد لله- في خير، وبمقدار ما يتعرض الكفر لهذا الدين فإن هذا الدين لا يزيد إلا نموًا في الأرض وظهورًا؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة:٣٣].
دولة استعمرها الكافرون أكثر من مائة وثلاثين سنة تطالب بالإسلام بطريقة جماعية وبالإجماع، وترفض أي نظام يخالف الإسلام، والحروب الصليبية انتهت بعد سنين طويلة فخرجت والأمة الإسلامية أقوى منها من ذي قبل، حتى لقد قال المؤرخون: إن قرية في الشام اسمها (معرة النعمان) أباد منها الصليبيون مائة ألف مسلم، وبالرغم من ذلك ما ارتد واحد من المسلمين عن دينه.
وهكذا فإننا نجد أن الأمة الإسلامية بمقدار ما تصيبها الأحداث لا تتأثر.
والتتار أفسدوا خلال الديار مدة من الزمن، ثم نجد أن الأمة الإسلامية لم تتأثر بالغزو التتري.
وأفغانستان أكبر درس وأقرب دليل إلى حياة كل واحد منا، تلك القلة من البشر من خلق الله المؤمنين قاوموا تلك الدولة المتغطرسة، ويعتبر وجودهم في معارك بسيطة سببًا من أسباب سقوط الشيوعية.
إذًا هذا الدين إذا مكن الله ﷿ له في الأرض لا أحد يستطيع أن يحاربه؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ﴾ [الأنبياء:١٨] ويقول عن الباطل: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ [الرعد:١٧] فهذه شروط الاستخلاف في الأرض والتمكين وشروط الأمن والطمأنينة، ومن بحث عن الأمن في غير هذه المواقف عليه أن يصحح رؤيته، وأن يراجع حسابه، فالأمن لا يكون إلا للمؤمنين، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام:٨٢].

8 / 10